وأما استثناء الحرم المكي أو المدني فلم يرد فيه حديث، في كون هذه الأشياء لا تقطع الصلاة فيه، ولكن معلوم أن الزحام شديد قرب المطاف، وأن الناس يكثرون بل كلما كبر واحد فجاء آخرون، فلو وقف الإنسان لطال وقوفه دون أن يفرغ المكان، فلذلك رخصوا في المرور بين يديه إذا كان قريباً من المطاف، واستدلوا بما روي؛ (أنه صلى الله عليه وسلم كان مرة يصلي عند المقام والناس يمرون بين يديه) وعلل ذلك بأنه كان لأجل ضيق المطاف وكثرة الطائفين فلم يردهم.
وأما بقية أركان المسجد غير المطاف فإن حكمها كحكم سائر المساجد، فإذا كنت مثلاً في المصابيح أو كنت في الرحبة بعيداً عن المطاف، فإياك أن تمر بين يدي أحد، وإياك أن تترك أحداً يمر بين يديك، بل اعمل معه كما تعمل في سائر البلاد، بأن ترده كما ترده إذا مر بين يديك في أي مكان؛ لأن الأوامر عامة، فهذه الأحاديث التي منها: (لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه؛ لكان أن يقف أربعين خير له من أن يمر بين يديه) لم يقل: إلا في المسجد الحرام أو إلا في المسجد النبوي، بل أطلق، فدل على أن الحكم واحد وأن المساجد كلها يشملها حكم واحد، إنما استثني المطاف لكثرة الطائفين ولاستمرارهم.