أما القراءة فلم يذكر في هذا الحديث قراءة الفاتحة، وقال: (اقرأ ما تيسر معك من القرآن) ، وقد استدل بذلك بعض الحنفية على أن قراءة الفاتحة ليست بواجبة، بل الواجب جنس القراءة، واستدلوا أيضاً بالآية الكريمة في سورة المزمل، وهي قوله تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ} [المزمل:20] .
ولكن دلت أحاديث أخرى على أنه يجب قراءة الفاتحة، قال صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) ، وفي حديث آخر: (صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج) فأخذ من هذا أن قراءة الفاتحة واجبة على الإمام والمنفرد، وأما المأموم فإنها مستحبة في حقه، وذلك لأنه قد يكون مع الإمام والإمام يقرأ، وهو مأمور بأن ينصت لقراءة إمامته، فإن تيسر له قراءتها في سكتات إمامه قرأها، وإن لم يتيسر له اقتصر على قراءة الإمام.
وذهب بعضهم إلى أنه يقرأ ولو قرأ الإمام، وروي ذلك عن أبي هريرة لما قيل له: إني أكون خلف الإمام، فقال: اقرأ بها في نفسك، واستدل بحديث: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين) ، وبكل حال فيتأكد قراءتها لمن خلف الإمام في سر وفي جهر.
أما من يقول: إنها كغيرها من السور الأخرى، فأخذوا بظاهر هذا الحديث؛ ولعله صلى الله عليه وسلم لم يذكر الفاتحة؛ لأنها معلومة مشهورة، أو لأن ذلك الرجل قد علم حكمها من فعلها المتكرر، فإن الصحابة كانوا يصلون خلف النبي صلى الله عليه وسلم في كل أحوالهم، ولم يتركوا قراءة الفاتحة، وكانوا يعرفون حكمها من قوله ومن فعله، فبذلك يعلم أنه ما ترك تعليم الفاتحة أو ذكر الفاتحة إلا لكونها معلومة مشهورة.