قوله: (فكبر) ؛ المراد بها تكبيرة الإحرام، ولا شك أنها أمر بها، وبينها النبي صلى الله عليه وسلم بفعله وبقوله، فكان إذا قام إلى الصلاة يقول: (الله أكبر) ، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (تحريمها التكبير وتحليلها التسليم) يعني: أن الصلاة لها تحريم ولها تحليل، فكون الإنسان محرماً بالصلاة يقول: (الله أكبر) ، فإذا كبّر أصبح حراماً عليه أن يعمل ما لا يعمل في الصلاة.
وجمهور الأمة على أن تكبيرة الإحرام ركن، وعلى أنه لا يجزئ غيرها بدلها، فلا يجزئ أن يقول: (الله أعظم) ، ولا (الله أجل) ، ولا (الله الأكبر) ، بل لا بد من قول: (الله أكبر) .
وذهب بعض الحنفية إلى أنه يجزئ ما يدل على المعنى، ويجزئ عندهم أن يقول: الله أجل، أو الله أمجد، أو الله أقوى.
يعني: تأتي كلمة تدل على الكبرياء وعلى العظمة، ولكن معلوم أن الصلاة تعبدية، وأن أفعالها مبنية على النقل، وأنه لا يصح فيها شيء إلا ما ثبت دليله، فلما لم يأت ما يدل على أنه يبدل التكبير بالتعظيم ولا بالتبجيل ولا بالإجلال، دل على أن اللفظة مقصودة.
والحنفية يقولون: إن القصد من التكبيرة: استحضار عظمة الله تعالى.
فنقول: الكلمة مقصود لفظها ومقصود معناها؛ وذلك لأن المكبر إذا قال: (الله أكبر) فعليه أن يستحضر مدلول هذه الكلمة، وهو كبرياء الله وعظمته وجلاله وهيبته، ويوجب له ذلك تبجيله وتعظيمه، ويوجب له ذلك حضور قلبه وخشوعه وخضوعه بين يدي ربه؛ لأنه إذا قال: (الله أكبر) تمثّل أن الله أكبر من كل شيء، وأعظم من كل شيء، وأن المخلوقات صغيرة وحقيرة بين يديه، وحقيرة بالنسبة إلى عظمته، فيحتقر المخلوق، ويعظم الخالق، وعند ذلك يخبت إلى الله وينيب إليه، ويخشع ويخضع بين يديه.
وهذا هو المقصود من استفتاح هذه الصلاة التكبير.