أما الحديث الثالث ففيه صفة سجود النبي صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن السجود في الصلاة ركن من أركان الصلاة، وأنه أهم أركانها، ومن أهميته أنه يكرر، ففي كل ركعة يأتي بسجودين، مع أنه لا يأتي إلا بركوع واحدة، فلماذا يكرر السجود؟ لأهميته ولفضله.
وقد ورد التعبد بالسجود وحده، مما يدل على أنه أفضل، وذلك كسجود التلاوة وسجود الشكر، سجدة واحدة يسجد فيها من غير أن يسبقها تحريم ولا ركوع ولا غير ذلك.
كذلك أيضاً جعل السجود جابراً للصلاة كما في سجود السهو مما يدل على أهمية السجود.
وورد أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد) وأمر في السجود أن يُكثر فيه من الدعاء كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (إني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً، فأما الركوع فعظموا فيها الرب، وأما السجود فأكثروا من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم) أي: حريٌ أن يستجاب إذا دعوتم الله في حالة السجود؛ وذلك لأنكم في تلك الحالة متواضعون، فالعبد غاية تواضعه إذا وضع وجهه على الأرض؛ وذلك لأن وجه الإنسان هو أشرف أعضائه، وهو أرفعها، وهو مجمع حواسه، فإذا تواضع ووضع وجهه على الأرض كان ذلك غاية التواضع وغاية التعبد.
ولأجل ذلك ورد في صيغة السجود ما يحقق كمال الخشوع، وكمال الذل، فمنها: أنه يسجد على سبعة أعضاء، ويمكن هذه الأعضاء من الأرض.
ومنها: أنه يرفع ذراعيه، وتقدم أنه عليه الصلاة والسلام كان يرفع ذراعيه عن الأرض، ونهى أن يبسط الرجل ذراعيه في السجود كانبساط الكلب.
ومنها: أنه كان عليه الصلاة والسلام يتجافى في السجود، فكان ينصب رجليه ويسجد على بطون أصابعه، وكان يرفع فخذيه عن ساقيه، ويجافي بطنه عن فخذيه، ويجافي عضديه عن جنبه حتى يبدو بياض إبطيه، لأنه أحياناً لا يكون عليه إلا رداء، فإذا فرج يديه ظهر إبطه من وراء الرداء، فظهر بياض إبطيه من تفريجه ومن شدة مجافاته يديه عن جنبيه.
وهذه الصفة هي الصفة المتميزة بالاعتدال، يعني: أنها الوسط.