فالحاصل أنه ذكر أن أبو بريد عمرو بن سلمة كان إذا نهض من السجدة الثانية ليقوم إلى الركعة الثانية جلس قبل أن ينهض، فلم ينهض حتى يستوي جالساً، هكذا كان يفعل شيخهم الذي هو أبو بريد عمرو بن سلمة، فاستدلوا بهذا على مشروعية هذه الجلسة، وسموها جلسة الاستراحة.
وقد اختلفوا في مشروعيتها: هل تشرع جلسة الاستراحة التي فعلها أبو بريد عمرو بن سلمة أم لا؟ وهل أبو بريد عمرو بن سلمة تلقاها عن أحد أو فعلها استحساناً؟ وهل إقرار أبي قلابة أو تشبيه أبي قلابة لصلاته بصلاة مالك بن الحويرث في جميع الصلاة كلها حتى هذه الجلسة، أو في معظم الصلاة وفي حسنها وفي طولها وفي قصرها وما أشبه ذلك؟ الأقرب أن أبا قلابة يقول: إن صلاة أبو بريد عمرو بن سلمة أقرب إلى صلاة مالك بن الحويرث وأشبه بها في كونه يطمئن، وفي كونه يتم الركوع والسجود، وفي كونه يقرأ كما يقرأ، وفي كونه يخشع فيها، ويمكن أنه لم يذكر أن من فعله هذه الجلسة وإنما ذكرها الذي روى عن أبي قلابة يعني: نقل عن أبو بريد عمرو بن سلمة أنه كان يجلس هذه الجلسة، فبعض العلماء ذهب إلى استحباب جلسة الاستراحة كالشافعية، ورأوا أنها من سنن الصلاة، فإذا قام من الركعة الأولى قبل أن ينهض جلس ثم قام، وإذا قام من الركعة الثالثة قبل أن ينهض جلس ثم قام.
وأكثر الأئمة لم يستحبوها ورأوا أنها ليست مستحبة ولا مشروعة، وقالوا: إنها لم تذكر في الأحاديث، وإن الأحاديث كثيرة والسنة التي فيها صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم لم تذكر فيها هذه الجلسة، فدل على أن أبو بريد عمرو بن سلمة ما فعلها عن دليل وإنما فعلها عن كبر؛ لأنه كان قد طعن في السن، ففعلها لأجل أن يرتاح قبل أن ينهض، فكان هذا هو السبب في فعله لها.
وعلى هذا: لا تكون من سنن الصلاة.
وبعض العلماء قال: لما شبه أبو قلابة شبه صلاة أبو بريد عمرو بن سلمة بصلاة مالك ومالك صحابي فإنا نثبتها كما أثبتها، ولكن نقول: لعلها خاصة لكبير السن، أو بمن احتاج إليها لضعف أو نحو ذلك، فهي لمن كان كبير السن كحال عمرو بن سلمة أو لمن هو مريض يشق عليه أن ينهض من السجود سريعاً.
وإلا فالثابت المتواتر في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن يجلس، بل كان إذا قام من السجدة الثانية نهض واعتمد على ركبتيه، واستتم قائماً، هذا هو المعتاد.
فإذاً عرفنا أن فيها ثلاثة أقوال: قول الشافعية أنها تستحب؛ لأجل فعل أبو بريد عمرو بن سلمة.
وأكثر الأئمة لم يستحبوها.
وتوسط آخرون وقالوا: يفعلها من هو عاجز لكبر أو مرض، ومن ليس كذلك لا يفعلها.
وهذا هو القول الوسط الذي جمعوا به بين القولين.