شرح حديث: (لتسوّن صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم)

في الحديث الثاني يقول: (لتسوّن صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم) وفي رواية: (أو ليخالفن الله بين قلوبكم) والمعنى واحد، وكأن هذا من باب العقوبة، وكأنه يقول: إذا لم تتحاذوا فتقدم هذا وتأخر هذا كان ذلك سبباً في وقوع الاختلاف فيما بينكم عقوبة لكم، فإذا اختلفتم في الصف فلن تنظموا صفوفكم ولن تنسقوها.

ويخبر في هذا الحديث أنه عليه الصلاة والسلام كان يُبالغ في تسويته للصفوف؛ حتى كأنما يُسوي بها القداح، يعني: يساوي بينهم كما يسوى القداح بعضها ببعض، والقداح جمع قدح، وهي السهام التي يبريها الإنسان؛ لأجل أن يرمي بها، والعادة أنه يجعلها مستوية، ولا يكون واحد منها أطول ولا أقصر ولا مائلة يمنة ولا يسرة، وقد ضرب بها النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً في حديث آخر، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: (لتتبعنَّ سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة) ، والقذة هي: السهام، وهي القداح (حذو القذة بالقذة) يعني: ريشة السهم تحاذي ريشة السهم الثاني دون اختلال ودون تقدم أو تأخر، فهكذا أيضاً تسوية الصفوف.

كان يسوي صفوفهم كأنما يساوي القداح التي هي السهام، ليس فيها واحد متقدماً على واحد، بل كلها متحاذية، فالتحاذي هو التساوي.

وقد ورد أن التساوي يكون بالمناكب وبالكعاب، أي: يكون المنكب محاذياً للمنكب إذا لم يكن أحدهما أحدب، أما إذا كان هناك من في ظهره حدب فهذا معذور إذا تقدم لأجل ضرره، وكذلك يكون التساوي بالكعاب، فكعب القدم يكون محاذياً لكعب القدم دون أن يكون فيه شيء من التقدم أو التأخر، ولا يلزم المحاذاة برءوس الأقدام، فرءوس الأقدام قد تختلف، قد يكون هذا أطول قدماً من هذا، وليس الصبي الذي قدر قدمه مثلاً عشرة سنتيمترات كالكبير الذي قد قدمه ثلاثون سنتيمتراً.

إذاً: المحاذاة تكون بالكعاب، وبعض الأئمة يقول: تحاذوا بالأقدام، فبعضهم يقدم قدمه حتى تكون رءوس أصابعه محاذية لرءوس أصابع الآخر، فيكون قد تقدم صدره وقد تقدم جسده حتى اختل الصف، وصار متقدماً بجزء من بدنه، وهذا فيه اختلال، بل المراد بالمحاذاة هو نفس المحاذاة بالأكعب.

وفي حديث عن النعمان أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يتحاذوا ويتصافوا، يقول: فرأيت الرجل منا يُلصق كعبه بكعب صاحبه، ومنكبه بمنكبه، والمراد بهذا المبالغة في القرب، يعني: تقاربهم بحيث إن أحدهم يحرص على أن يكون قريباً من أخيه محاذياً له، لا يترك بينه وبينه فرجةً، ولا يختل بذلك الصف.

وقد ورد النهي عن الفرج في الصفوف في الحديث الذي ذكرنا، قال: ويتراصون في الصف، يعني: يقرب بعضهم من بعض حتى لا يكون بينهم فرج؛ وذلك لأن هذه الفرج لا شك أنها خلل في الصف وعيب فيه، وأنها سبب لدخول الشياطين، وقد ذكرنا أنه عليه السلام قال: (والله إني لأراه يدخل بينكم مثل الحذف) يعني: تدخل الشياطين فيما بينكم من تلك الفرج مثل أولاد الغنم الصغيرة، تدخل بين الاثنين إذا كان بينهما فرجة وخلل، لذلك يؤمرون أن يتحاذوا ويتراصوا في الصفوف حتى لا تدخل هذه الشياطين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015