أراد المؤلف بإيراد هذا الحديث إثبات أن الاستنشاق تابع للغسل في الوجه، والله تعالى أمر بغسل الوجه، والأنف له حكم الظاهر فيدخل في حكم الوجه، وكذلك الفم له حكم الظاهر فيدخل في حكم الوجه، والمضمضة: هي تحريك الماء في الفم، وهي مشتقة من مضمض بمعنى حرك، ومعناها: أن يجعل في فمه ماءً ثم يدلك أسنانه بالماء ويحركه بلسانه، ثم يمجه، هذه هي المضمضة.
وقد ذهب أحمد إلى أن المضمضة والاستنشاق من الوجه، وأنه لا يصح الوضوء إلا بهما، وأن من أخلّ بهما فكأنه ترك بقعة في وجهه، والذي يترك بقعة في وجهه لم يغسل وجهه، والله أمر بالغسل، فلا بد أن يكون الغسل مستوفياً للعضو، كما لو ترك بقعة في يده أو في رجله، فإذا كان الذي يترك بقعة خفية في مؤخر رجله متوعداً بالنار: (ويل للأعقاب من النار) ، فهكذا من ترك بقعة في عينيه أو تحت وجنتيه أو ما أشبه ذلك، فلا بد أن يغسل وجهه كله، ويدخل في ذلك الفم والأنف.
وذهبت الشافعية وغيرهم إلى أن الاستنشاق ليس بواجب، بل هو سنة، وكذلك المضمضة، وقالوا: إنهما من سنن الوضوء لا من واجباته، والإمام الشافعي رحمه الله عالم كبير مجتهد، ولكنه لم يكن متوغلاً في معرفة الحديث، فعلى كل هو اجتهد.
ومن أدلتهم: أن الوجه ما تحصل به المواجهة، والله تعالى أمر بغسل الوجه، والأنف يغسل ظاهره، وأما داخل المنخرين فليس مما تحصل بهما المواجهة، وكذا داخل الفم، فيقولون: نقتصر على ما تحصل به المواجهة والمقابلة، هذا دليل الشافعية.
ولكن لما كانت السنة مفسرة للآية ومبينة لها عرفنا بذلك أن هذا هو معنى الغسل، وأن الأنف والفم داخلان في غسل الوجه ولا بد منهما، والذين وصفوا وضوء النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكروا أنه تركهما، بل ذكروا أنه كان يتمضمض ويستنشق ثلاثاً، وسيأتينا حديث عثمان وفيه ذكرهما.