يوجد في بعض الروايات أنه كان يقول: (الصلاة خير من النوم) في الأذان الأول للفجر، وأشكلت هذه الرواية على كثير من الشراح، حيث اعتقدوا أنه يقولها في الأذان الأول الذي هو آخر الليل، ولكن هذا خطأ، إنما المراد بالأذان الأول أذان الصبح، والأذان الثاني هو الإقامة، فالإقامة تسمى أذاناً كقوله: (بين كل أذانين صلاة) أي: بين الأذان والإقامة، وقد عرفنا أنه في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام ما كان هناك أذانان إلا في رمضان، أما في بقية السنة فليس هناك أذانان للفجر، أذان آخر الليل وأذان عند الفجر، وإنما يؤذنون لصلاة الصبح فقط، لكن في رمضان جعلوا مؤذنين: مؤذناً للسحور ومؤذناً للصلاة، هذا هو ظاهر هذه الأحاديث.
فكون بعض المؤذنين في آخر الليل يقولون: الصلاة خير من النوم، ويجعلون الأذان طوال السنة؛ هذا لا دليل عليه، وأخذوا ذلك من تلك الرواية التي فيها أنه يقول: الصلاة خير من النوم، في الأذان الأول، وهذا يسمى التثويب، ولكنهم لم يفهموا أن المراد بالأذان الأول هو الأذان الذي فيه الشفع، والأذان الثاني: هو الإقامة، فلا يغتر بمن جعل التثويب -وهو (الصلاة خير من النوم) - في الأذان الأول الذي في آخر الليل، وقد اعتمدوا على هذه الرواية: (كان يؤذن بليل) فقالوا: يؤذن بليل، يعني: للصبح.
ولكن فاتهم أنه ليس للصبح وإنما هو للسحور.
وقد روي أن بلالا بكر مرة بالأذان قبل أن يطلع الصبح، فلما أذن أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع وينادي: ألا إن العبد نام؛ لينبه الناس على أنه أخطأ، فرجع ورفع صوته ممتثلاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم مع ما ركبه من الخجل والفشل حتى كان يقول: ليت بلالاً لم تلده أمه، يعني: لكونه ألزم بتلك المقالة، فرجع ونادى وقال: ألا إن العبد نام؛ لأن الناس اغتروا بهذا الأذان الذي هو قبل الصبح، فدل على أن من أذن قبل الصبح فإنه يعيد؛ وذلك لأن الأذان إنما يكون عند دخول الوقت؛ ليُعلم بذلك أن وقت الصلاة قد دخل، فيصلي المعذورون في بيوتهم، ويأتي المصلون إلى المساجد لأداء سنة الصبح ولأداء صلاتها جماعة.
هكذا شرع هذا الأذان، فلا يجوز أن يكون آخر الليل، والذي يكون آخر الليل إنما هو أذان السحور كما عرفنا.
وأما التثويب بقوله: (الصلاة خير من النوم) فلا يكون إلا في أذان الصبح؛ وذلك لأنه نداء لهذه الصلاة، وكأنه يقول: احضروا صلاة الفريضة فهي خير من النوم، فمن كان نائماً فلينتبه، فإن الصلاة التي هي الفرض أفضل لكم أن تأتوا إليها من أن تبقوا في مضاجعكم نائمين، فمناسبتها ظاهرة؛ ولأجل ذلك يقول المؤذن للفجر في السنة كلها: الصلاة خير من النوم.