هذا الحديث دليل على أنه كان يبكر بها، وفي حديث أبي برزة أنه كان يطيل القراءة فيها، فيقرأ ما بين الستين إلى المائة، أي: ستين آية إلى مائة آية، وذلك لا شك أنه إطالة بالنسبة إلى ما يفعل في هذه الأزمنة، وسيأتينا أنه عليه الصلاة والسلام كان يطيل في قراءة هذه الصلاة.
والمراد ستين آية أو مائة آية من الآيات المتوسطة، مثل آيات سورة البقرة لاسيما الجزء الأول، آيات متوسطة ليست طويلة، ومثل آيات سورة الأحزاب مثلاً، لا قصيرة كآيات سورة الشعراء، بل آيات متوسطة، وأغلب آيات القرآن متوسطة، ونقول: سورة: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون:1] تعتبر أقل من المائة، فهي من جنس ما يقرأ في صلاة الفجر، وكذلك سورة الفرقان أقل من المائة، وكذلك أكثر سور القرآن ما عدا سورة الكهف مائة وإحدى عشرة، وكذلك سورة الإسراء أكثر من المائة بقليل لكن ما بعدهما من السورة أقل من المائة وإن زادت فتلك الزيادة لأجل قصر الآيات كسورة طه.
فالحاصل: أنه يقرأ مثل سورة ((اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ} [الأنبياء:1] الأنبياء، وسورة النور، وسورة المؤمنون، والفرقان، والنمل، والعنكبوت، وهكذا سور (آل حم) كلها.
ويحتمل أنه يقرأ في الركعة الواحدة ستين أو مائة، ويحتمل أنه يقرأ في الركعتين معاً هذا المقدار ولعله الأقرب؛ يعني: أنه يقرأ في الركعتين مائة آية أو ستين آية على الأقل، ولا شك أن قراءته صلى الله عليه وسلم كانت متوسطة لا يطيل فيها ولا يسرع، بل يقرأ قراءة مجودة تفهم من غير أن يكون فيها إطالة شديدة، وبذلك نعرف أنه عليه الصلاة والسلام كان يبتدئ بصلاة الفجر مبكراً، ويطيل فيها القراءة، وتبعه أيضاً صحابته رضي الله عنهم، فقد ثبت أن أبا بكر رضي الله عنه صلى بهم مرة الفجر وقرأ سورة البقرة حتى أتمها، فلما انصرف قال له بعض الصحابة: كادت الشمس أن تطلع.
فقال: لو طلعت لم تجدنا غافلين، يعني: أننا مشتغلون بعبادة.
وثبت أيضاً أن عمر كان إذا كبر في صلاة الفجر ابتدأ بالسور الكبار كسورة يوسف أو سورة النحل يقرؤها كلها في الصلاة، وهكذا أشباهها من السور، وذلك دليل على أنهم اعتادوا على أن صلاة الفجر لها أهمية في إطالة القراءة، وسبب ذلك أنها قلت ركعاتها فزيد مقدارها، وقد سميت قرآناً في قوله تعالى: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} [الإسراء:78] يعني: صلاة الفجر، فسميت باسم قرآن لأنها تطول فيها القراءة، ولأنها أيضاً لا تقصر في السفر، فهذه الأسباب جعلته يطيلها، وفيه أن الأفضل أن يبكر بها في أول وقتها.
وأما الحديث المشهور عن رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر) ، فقد استدل به من يؤخرها كالحنفية، ولكن لا دلالة فيه على التأخير الشديد الذي يفعل في كثير من البلاد، إنما فيه دلالة على أنه لا يصلي إلا بعدما يتحقق من طلوع الفجر، وأنه يطيلها حتى ينصرف وقد أسفر الفجر، يعني: قد أضاء الصبح، فبذلك يكون أعظم للأجر، فمعنى: (أسفروا بالفجر) : أطيلوا القراءة حتى تنصرفوا وقد أسفر الصبح، والإسفار معناه ظهور الضياء، قال تعالى: {وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ} [المدثر:34] يعني: ظهر الضياء، فهذا بيان ما جاء في الحديثين في مواقيت الصلاة.