هذا الحديث من أدلة أهل السنة على أن الرجلين تغسلان، وذهبت الرافضة إلى أن الرجل تمسح، واستدلوا بقراءة في القرآن: (وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ) بالخفض، وأجاب العلماء عنها بأنها مجرورة على الإتباع، أو أن المراد بمسح الرجل: الغسل الخفيف؛ لأن الرجلين مظنة الإسراف، والعرب قد تسمي الوضوء مسحاً كقولهم: تمسحت للصلاة، يعني: غسلت أعضائي غسلاً خفيفاً.
وعلى كل حال فقد تكاثرت الأحاديث أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يغسل قدميه، ولم يأت حديث أنه كان يمسح القدمين، ولو كان يمسح القدمين لما كان هناك حرج في بياض يحصل في العقبين، بل توعد بقوله: (ويل للأعقاب من النار) فدل على وجوب غسل الرجلين وعدم الاكتفاء بالمسح كما يقول الرافضة، فهذا الحديث يدل دلالة واضحة على وجوب غسل القدمين في الوضوء كما يجب غسلهما في الاغتسال.
وقد حدد الله الغسل بقوله: {إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة:6] ، والتحديد دليل على وجوب الغسل وأنه لا يكتفى بالمسح، وقد فسرت ذلك السنة النبوية، كما تكاثرت بذلك الأحاديث، وكل الذين نقلوا صفة وضوء النبي عليه الصلاة والسلام ذكروا أنه كان يغسل قدميه ولم يقل أحد إنه مسح عليهما.
ومن الأدلة أن الله تعالى أدخل الممسوح -وهو الرأس- بين المغسولين وهما اليدان والرجلان، وبلا شك أن غسلهما فيه تنظيف؛ لأن الرجل تكون مظنة لوسخ أو قذر أو نحو ذلك، والوضوء شرع لأجل تنشيط البدن ولأجل الإعانة على العبادة، وشرع أيضاً لأجل إزالة الوسخ والقذر ونحو ذلك.
وشرعية غسل الوجه وغسل اليدين وغسل الرجلين في الوضوء لا بد له من حكمة، حيث اقتصر الله على هذه الأعضاء فقال: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة:6] ، فالوجه غسله يزيد نشاطاً ويذهب الكسل، وفيه أيضاً أغلب الحواس، ففيه حاسة البصر وحاسة الشم وحاسة الذوق وحاسة السمع، وهما الأذنان، فالأمر بغسله لأجل تطهيره حسياً، والوجه قد يتعرض للغبار ونحو ذلك فلا بد من غسله.
واليدان هما الآلة التي يعمل الإنسان بهما، وغالباً يكون فيهما تراب أو وسخ أو نحو ذلك، فشرعية غسلهما زيادة في النشاط وإزالة الكسل، وفيه التنظيف.
وكذلك الرجلان غسلهما لأجل التنظيف؛ لما يتعرضان له من غبار أو تراب أو نحو ذلك، وما دام كذلك فإن الفرض غسلهما لا مسحهما خلافاً للروافض، ولا أحد يكتفي بالمسح على الرجلين إلا الرافضة فقط، مع أنهم ينكرون المسح على الخفين، ولا يعتقدونه، مع ثبوته بالسنة، والاستدلال عليه بالأدلة الواضحة، فخالفوا في هذا، وخالفوا في هذا!