والشاهد من حديث جابر ما بينه في الخصلة الثانية من كونه جعلت له الأرض مسجداً وطهوراً، يعني يتطهر بالتراب كما يتطهر بالماء.
وقد بين العلماء أن هذا العموم قد يستثنى منه بعض الأشياء، وذلك لأنه جاء في بعض روايات الحديث: (وجعلت تربتها طهوراً) ، فخص التربة، فقالوا: إذاً لا يتيمم إلا بالتراب، ولكن الصحيح أيضاً أنه يتيمم بالرمل، ولو لم يكن له غبار، ومعلوم أن الرمل لا غبار له ولكنه يعلق باليد، فكل شيء يعلق باليد إما غبار وإما رمل فإنه يتيمم به.
وأما وجه الأرض على ما قاله بعضهم فلا، يعني كونه يتيمم بكل ما تصعد على وجه الأرض وأخذوا ذلك من قوله: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا} [المائدة:6] .
لكن نقول: لو كان مثلاً على صخرة، وكان في إمكانه أن ينزل ويجد تراباً فإنه لا يتيمم منها إلا إذا لم يجد غيرها.
واشترط بعضهم التراب؛ لأن الله قال: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة:6] قالوا: كلمة: (منه) تدل على التبعيض، أي: أنه لا بد أن يعلق باليد شيء منه حتى يمسح به.
واستثنوا ما كان نجساً فلا يجوز أن يتيمم بالأرض النجسة؛ لأن الله اشترط طيبها، في قوله: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة:6] ، فإذا كانت نجسة فليست صعيداً طيباً.
وكذلك إذا كانت محترقة كالرماد مثلاً فلا يتيمم به؛ لأنه لا يوصف بأنه طيب، وهكذا كل شيء محرق كالنورة وما أشبهها، وهكذا أيضاً ما ليس بتراب، كدقيق الحنطة ولو كان على وجه الأرض؛ لأنه لم يكن تراباً، ولم يكن من وجه الأرض ولا من الصعيد.
فإذاً التيمم خاص بما كان على وجه الأرض مما هو من أجزائها ومما هو ملتصق بها.
وفي هذا القدر كفاية لمعرفة ما أباح الله تعالى التيمم به، ومعرفة الحكمة والعلة التي لأجلها أبيح التيمم.