فالخصلة الأولى قوله: (أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر) .
الرعب: هو الخوف الذي يكون في قلوب الأعداء بسبب غزو الرسول صلى الله عليه وسلم لهم، فالله يجعل في قلوبهم رعباً منه وخوفاً وفرقاً، بحيث إنهم لا يقدمون على قتاله ولا يصبرون على مواجهته، بل يتفرقون وينخذلون وينهزمون ويتبعثر جمعهم، وذلك نصر من الله تعالى وتأييد له حتى يتم أمر الله ويعلو دينه،؛ لأن الله تعالى قد وعده بإظهار هذا الدين كما في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة:33] .
فلما وعده بإظهار هذا الدين عرف بأن للدين أعداء وله مقاومين وحسدة يحسدونه على ظهوره وعلوه؛ وذلك لأنهم يفارقون مألوفاتهم إذا اعتنقوه، ويتركون دين أسلافهم وآبائهم وعقائد أجدادهم، فيفرق بينهم وبين ما هم عليه، فلما كان كذلك كان ولا بد أن يوجد من يعادي هذا الإسلام ويحول دون انتشاره، فإذا هم النبي عليه الصلاة والسلام بغزو أولئك الأعداء قذف الله في قلوبهم الرعب، وألقى عليهم الخوف والفرق، فتفرقوا وذهبوا، وإن قاتلوا لم يصمدوا للقائه ولا لمقاتلته.
قد أخبر الله عز وجل بشيء من ذلك كما في قصة بني النضير، في قول الله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ} [الحشر:2] أي: الخوف والفزع، فلم يطمئنوا حتى هربوا وفارقوا ديارهم؛ وذلك بسبب هذا الرعب.
وهكذا لما تحزبت الأحزاب وأحدقوا بالمدينة في سنة خمس بقيادة أبي سفيان ومن معه من قريش ومن غطفان ومن سائر المشركين، فلما اشتد حصارهم قذف الله تعالى في قلوبهم الرعب، وكذلك في قلوب من عاونهم فقال تعالى: {إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} [الأحزاب:9] ، إلى قوله: {وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا} [الأحزاب:26] ، كل ذلك من آثار هذا الرعب.
والصحيح عند العلماء أن هذا الرعب باق في قلوب أعداء الإسلام، سواء كان الذي يقاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم أو صحابته أو من هو على دينه، فمتى صمد المسلمون لقتال عدوهم، ومتى حققوا إسلامهم وصححوا عقيدتهم، وسلموا من الدخل والدخن ومن الاضطراب في المعتقد؛ فإن الله تعالى سيلقي في قلوب أعدائهم الرعب والخوف؛ تحقيقاً لوعد الله تعالى بنصر نبيه: (نصرت بالرعب) .
قوله: (مسيرة شهر) يعني: إذا هم بغزو قوم وبينه وبينهم مسيرة شهر على الأقدام وعلى الرواحل؛ فإن أولئك الأعداء يخافونه وبينهم وبينه هذه المسافة، ولا يصبرون على مقابلته، وكذلك يكون حالهم مع أتباعه.