أما حديث أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها فذكرت عن أم سليم وهي أم أنس بن مالك رضي الله عنها: أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم، ولما كان هذا السؤال مما يستحيا منه، وهو أنه يتعلق بالعورات ويتعلق بالأمور الخفية، ولكن يترتب عليه حكم، وهو أنه يحصل به حدث وهذا الحدث يمنع من الصلاة، والصلاة عبادة ولا يجوز أن يتهاون بالأحداث ولا أن يترك الشيء الذي يتعلق بالطهارة لحياءٍ واحتشام، فمهدت هذا التمهيد وقدمت هذا النص وهو قولها: (إن الله لا يستحيي من الحق) أي: ليس في الدين حياء، ونحن أيضاً لا نستحيي أن نسأل عن الحق، ولو أن ذلك الذي نسأل عنه مما يستحيا منه عادة.
كان سؤالها عن اغتسال المرأة إذا هي احتلمت، قد عرفوا أن الرجل إذا احتلم فإن عليه الاغتسال، فهل تقاس عليه المرأة إذا احتلمت على الرجل أم لا فالنبي عليه الصلاة والسلام أجابها بالإثبات والإيجاب، ولكن بشرط أن ترى الماء الذي يراه الرجل، يعني: أن يحصل منها الإنزال.
وجه استحياء النساء من هذا السؤال، أن احتلام المرأة قليل، وأنه إذا وقع فإنه دليل على قوة شهوة تلك المرأة، سيما الاحتلام الذي يحصل منه الإنزال، ولكن لما لم يكن مستحيلاً أثبته عليه الصلاة والسلام، وأخبر بأن المرأة شقيقة الرجل.
لما سألت أم سليم هذا السؤال قالت لها أم سلمة: (فضحت النساء تربت يمينك، فعند ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: بل أنت تربت يمينك، ثم قال: إن النساء شقائق الرجال) ، وفي بعض الروايات: (أن أم سلمة غطت وجهها وقالت: يا رسول الله! أو تحتلم المرأة؟!) ، يعني: هل يتصور أن يوجد منها الاحتلام؟! فقال: (نعم، فبما يشبهها ولدها) ، يعني: أن الولد تارة يكون ذكراً فيشبه أباه، ويكون أنثى فيشبه أمه، فهذا يدل على أنه يكون مخلوقاً من ماءين: ماء الرجل، وماء المرأة، فالمرأة يكون منها إنزال الماء ويخلق منه الجنين، وكذلك من ماء الرجل أيضاً.
على كل حال المرأة لها شهوة كشهوة الرجل، ويتصور منها أن يوجد منها الاحتلام في المنام كما يتصور من الرجل، ويمكن أيضاً أن يحصل مع الاحتلام إنزال، يعني: نزول سائل وإن لم يكن مثلما ينزل من الرجل في كثرته وفي غلظته، ولكنه مع ذلك يعطى نفس الحكم، فإذا احتلمت المرأة وأنزلت المني وإن كان خفيفاً، فإن عليها الاغتسال كما على الرجل تماماً.