وورد أيضاً في أحاديث كثيرة ما يدل على أن هذه الوساوس تحدث من الشيطان، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: (يأتي الشيطان أحدكم فينفخ في دبره فيخيل إليه أنه أحدث، فإذا وجد ذلك فليقل: كذبت) ، كأن يقول له الشيطان: إنك أحدثت، فليقل في نفسه: كذبت، يعني: لا يلتفت إلى وسوسة الشيطان، هذه الوسوسة التي يبتلى بها كثير من الناس، فيحس بأنه خرج منه ريح، أو بأنه تحرك دبره أو نحو ذلك، فهذه أشياء ليس لها حقيقة إنما هي وساوس من الشيطان، ويقصد الشيطان بذلك أن يمل المسلم من العبادة، إذا رأى فيها هذه الكلفة والمشقة ملها وضجر منها، وأدى به ذلك إلى أن يتركها كلياً، وهذا هو مراد الشيطان، أو يريد بذلك أن يتهاون بهذه الأمور حتى لا يتوضأ من أي حدث.
فنقول: الأمور تبقى على أصلها إلى أن يُتيقن زوال ذلك الأصل، فالأصل أنك متطهر وليس في طهارتك شك، فإذا اعتراك شك فالشك لا يرفع اليقين، يقينك الذي أنت عليه هو أنك على وضوء، وذلك العارض وَهْم أو شك أو وسوسة أو خيالات لا يلتفت إليها.
وكثيراً ما يشكو إلينا بعض أهل الوسوسة وأهل التوهمات من شباب ومن شيب، كبار وصغار، رجال ونساء، يشتكون مما يلاقونه من أنه يخرج من أحدهم من ذكره كذا، يحس به، أو يخرج من دبره كذا يحس به، فيقول: إنني أتفقد نفسي ومع ذلك لا أجد خارجاً حسياً، وأسأل غيري ويقول: ما أحسست بشيء.
فنقول: لا تلتفت إلى تلك التوهمات، فإنه لو كان يقيناً لأحس به من إلى جانبك، لوجدوا الريح مثلاً ولسمعوا الصوت، والرسول عليه الصلاة والسلام حدد ذلك، فإذا كنت لم تجد ريحاً ولم تسمع صوتاً ولم تحقق حدثاً، والذين عندك أيضاً لم يحسوا بشيء من ذلك؛ دل ذلك على أنها وسوسة فلا يلتفت إليها.