قوله صلى الله عليه وسلم: (ما من مكلوم يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة وكلمه يدمى، اللون لون دم، والريح ريح المسك) الكلم هو: الجرح، والكلوم هي الجروح، يعني: أن المجاهد في سبيل الله إذا أصابه جرح، أو أصابته شجة، وخرج منه دم فإن ذلك الدم ولو التأم، وذلك الجرح ولو برئ في الدنيا، ولو سلم من آثاره؛ فإنه يوم القيامة يرى أثره عليه مثل لون الدم، ولكن ريحه ريح المسك، فيُعرف أن هذا ممن جرح في سبيل الله، ولا يحصل له ألم، فإذا كان الجرح -مثلاً- في ذراعه يُرى يثعب منه هذا اللون الذي لونه لون دم، ولكن لا يؤلمه، ولا يحس به، بل يجد رائحته رائحة عبقة طيبة، ويجدها أيضاً غيره، وهذه ميزة وعلامة له، وكذلك لو كانت الشجة في رأسه أو في وجهه، أو في موضع من مواضع جسده، وكذلك لو كثرت هذه الشجاج أو هذه الجروح فإنها كلها تأتي ولونها لون دم تثعب، بمعنى: أنها يخرج منها هذا السائل دون أن يكون له ألم، هذا من فضل الجهاد في سبيل الله، فإذا كان هذا في الجرح الواحد فكيف بمن جرح جروحاً كثيرة؟! وإذا كان هذا في جرح فكيف بمن قطع أحد أطرافه؟! فإذا قطعت يده، أو فقئت عينه، أو قطعت إصبع من أصابع يديه أو رجليه، أو نحو ذلك فإن أجره يكون أكثر، وإذا كان هذا في فقد عضو أو جرح أو نحو ذلك فأعظم من ذلك أن يفقد نفسه، يعني: أن يُستشهد في سبيل الله، فإنه والحال هذه أعظم أجراً وأكثر ثواباً.
ويدخل في ذلك أيضاً نفقته، أي: ما ينفقه الرجل في سبيل الله، ويجهز به الغزاة في سبيل الله، فإنه ورد في الحديث: (من جهز غازياً فقد غزا، ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا) ، فأصبح هذا الغزو الذي هو جهاد في سبيل الله يكون جهاداً بالنفس، وجهاداً بالمال، وتجهيزاً للغزاة، وخلفاً لهم في أهليهم بخير، وكل ذلك دليل على سعة فضل الله تعالى، وكثرة جوده على عباده.