نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر لما فيها من مفاسد، وشدد في النهي عنها فقال: (من شرب الخمر في الدنيا لم يشرب منها في الآخرة) ، فالله تعالى ذكر أن في الجنة خمراً لذيذاً، وهذا الشراب اللذيذ نفى الله عنه ما يكون في خمر الدنيا، فقال تعالى: {وَكَأْساً دِهَاقاً * لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلا كِذَّاباً} [النبأ:34-35] أي: ليس كخمر الدنيا الذي هو مملوء باللغو والكذب، وقال تعالى: {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ} [الواقعة:17-18] ، الكأس هنا هو الخمر وهو من معين، أي: صاف، سالم مما في خمر الدنيا {لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنزِفُونَ} [الواقعة:19] الغول هو ما يغتال العقل، وكذلك ينزفه، فمن شربها في الدنيا حرم شرابها في الجنة.
كذلك ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أخبر بأن من شربها وكرر شربها كان حقاً على الله أن يسقيه من طينة الخبال، وهي عصارة أهل النار، وهذا دليل على أنه لابد لمن كررها وأدمن عليها أن يدخل في النار والعياذ بالله، وأن يكون ذلك سبباً في حرمانه من الجنة.
ولما كان أمرها كذلك حرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبالغ في تحريمها، حتى لعنها ولعن فيها عشرة، كما ورد أنه صلى الله عليه وسلم: (لعن الخمر وبائعها ومشتريها، وعاصرها ومعتصرها، وحاملها والمحمولة إليه، وآكل ثمنها) يعني: أنه لعن كل من ساهم فيها.
وبكل حال فالأدلة كثيرة في أن هذه الأشربة المحرمة إنما حرمت لضررها الذي يحصل منها: ضرر على العقول، وضرر على المجتمعات، والحكايات عن أهل الخمر في هذه الأزمنة أشهر من أن تذكر، كم حصل من الحوادث بسبب أن بعض الذين يقودون السيارات سكران، فيقع منه حوادث يذهب في ضحيتها نفوس بريئة وأموال محترمة، وما ذاك إلا لأنه تعاطى هذا الشراب فأذهب عقله، فدخل في هذه الطرق وهو على هذه الحال، ولم يشعر بما أمامه لفقد عقله الذي يميز به، فحصل منه هذا الاصطدام وهذه الحوادث الشنيعة البشعة، ولا شك أن هذا دليل على بشاعتها وشناعتها.