الأضاحي جمع أضحيّة أو أضحية أو ضحية، وهي الذبيحة التي تذبح في يوم عيد الأضحى، وبها سمي العيد، فالعيد الذي هو اليوم العاشر من شهر ذي الحجة يسمى عيد الأضحى، ويسمى يوم النحر؛ لأنه ينحر فيه من الهدي ومن الأضاحي ما يتيسر للمسلمين، ينحرونه ويذبحونه في ذلك اليوم قربة إلى الله تعالى، فالذين بمكة يتقربون بذبحها والصدقة بثمنها، والذين في خارج مكة يشاركونهم في هذه الذبائح، ويتصدقون منها، وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم: ما هذه الأضاحي؟ فقال: (سنة أبينا إبراهيم، قالوا: فما لنا فيها؟ قال: بكل شعرة حسنة) ، أو كما قال، فتبين بهذا أن فيها أجراً كبيراً، وأن الذي يقدمها ويجود بها يثاب عليها هذا الأجر، بكل شعرة حسنة، ومقدار الشعر لا يحصيه إلا الله، وكذلك ذكر أنها سنة أبينا إبراهيم، ويريد بذلك قول الله تعالى: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات:107] وذلك أن الله تعالى ابتلاه أن يذبح ولده إسماعيل، حيث رأى في المنام أنه يذبحه، قال تعالى: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} [الصافات:102] ، وهذه القصة قيل: إنها كانت بمكة؛ وذلك لأن إسماعيل قد تركه أبوه مع أمه هاجر في مكة، فترعرع إسماعيل، وكان إبراهيم يجيء إليهم كل سنة، فلما بلغ معه السعي رأى في المنام وهو في المسجد الحرام قائلاً يقول: إن الله يأمرك أن تذبح ولدك إسماعيل، فانتبه وعرف أنها من الله، وليست من وساوس الشيطان، فأخبر ولده بذلك، وتوجه إلى منى ليكون الذبح فيها، فلما أضجعه واستسلم إسماعيل للذبح، عند ذلك ناداه الله تعالى: {يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} [الصافات:104-105] ، ثم جاءه الملك بكبش، فذبحه فكاكاً لولده، ثم استمر إبراهيم عليه السلام على ذبح هذه الأضحية، وأحياها النبي صلى الله عليه وسلم، فكان في كل سنة يذبح أضحية مما تيسر، وفي هذا الحديث أنه كان يضحي بكبشين أملحين أقرنين، وفي رواية: موجوئين، والكبش هو ذكر الضأن، وفي بعض الروايات أنه يقول في أحدهما: (اللهم تقبل عن محمد وآل محمد، ويقول في الثاني: اللهم تقبل عن أمة محمد أو عمن لم يضح من أمة محمد) ، فيجعله قربة لله تعالى، وقد ذكر الله تعالى أن الهدي يكون من بهيمة الأنعام في قوله تعالى: {لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا الْهَدْيَ} [المائدة:2] فالمراد بالهدي ما يهدى إلى الله تعالى من بهيمة الأنعام، وكذلك في قوله تعالى: {هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة:95] فالصدقة بلحم الهدي سنة، يقول علي رضي الله عنه: (أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بدنه، وأن أقسم لحومها وجلودها وجلالها على المساكين، وألا أعطي في جزارتها شيئا ًمنها) ، فأخذ من هذا أن الأضحية صدقة وقربة لما يلي: أولاً: أنها إحياء لسنة أبينا إبراهيم الذي استمر على ذلك، فهي سنة إبراهيمية.
ثانياً: أنها سنة محمد صلى الله عليه وسلم، فقد استمر عليها طوال ما كان بالمدينة، فكان يضحي كل سنة بكبشين أو بكبش إذا لم يتيسر غيره، فيطعمون ويتصدقون ويأكلون، فهي قربة وصدقة.
ثالثاً: أن فيها أجراً كبيراً، حيث إن فيها هذا الثواب وهذه الحسنات التي ذكرت في هذه الأحاديث.
رابعاً: ما فيها من التوسعة على المسلمين وعلى المساكين، وبالأخص في البلاد الفقيرة، فإنها تقع موقعاً، حيث إنهم يتلذذون بأكل هذا اللحم الطيب، ويكون غذاء لهم، وينتفعون به، وقد ينتفعون أيضاً بجلدها أو بصوفها أو نحو ذلك، ففيها أجر.
والأضحية سنة مؤكدة، وقد ذهب بعض العلماء إلى أنها واجبة على من كان عنده قدرة أو سعة، واستدلوا بما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: (من وجد سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا) ، ولا شك أن في هذا دليلاً على آكديتها.