هذا الحديث فيه تحريم اقتناء الكلاب التي لا ينتفع بها ولا يحتاج إليها، وبيان أن الذي يقتنيها (ينقص من أجره كل يوم قيراطان) يعني: ينقص من ثواب عباداته، ثواب صلاته وثواب صدقاته وثواب تلاوته وثواب حسناته، ينقص منه كل يوم قيراط، والقيراط جزء من الثواب والأجر، والله أعلم بمقداره، ولا شك أن هذا دليل على تحريم اقتناء الكلاب لغير حاجة.
وقد ورد في الكلاب الأمر بقتلها أولاً؛ وذلك بسبب أن الملائكة لا تدخل البيت الذي فيه الكلب، فذكروا أن جبريل عليه السلام وعد النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتيه، فتأخر عليه، ولما أبطأ عنه خرج النبي صلى الله عليه وسلم من البيت فنزل عليه جبريل فقال: ما منعني أن أدخل البيت إلا أن فيه جرو كلب، وكان هناك جرو كلب تحت السرير لأحد أولاد فاطمة عليها السلام، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بقتل الكلاب؛ لقول جبريل: إنا لا ندخل بيتاً فيه كلب، فصاروا يقتلونها، ولكن بعد ذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتلها، وقال: (ما لكم ولهذه الكلاب؟ فإنها أمة من الأمم) ، فهذه الكلاب تتوالد كما يشاء الله، وتعيش على ما يسقط من الناس، وتأكل جيفاً، وتأكل أنتاناً، وتأكل لحوماً، والله تعالى هو الذي تكفل برزقها وبرزق غيرها، وهي داخلة في قوله تعالى: {وَكَأَيِّن مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ} [العنكبوت:60] فلأجل ذلك لا يجوز قتلها ما لم تكن مؤذية معتدية، أما إذا كانت مؤذية كالكلب العقور فقد أذن بقتله حتى في مكة، وحتى في حالة الإحرام؛ وذلك لضرره واعتدائه بعدوه على الناس، وشق ثيابهم، وعضهم وجرحهم، وهو معنى تسميته كلباً عقوراً، وأما بقية الكلاب فلا يعتدى عليها، ولا تقتل، ولكن لا تقتنى لغير حاجة، لماذا؟ أولاً: لأن الكلب نجس العين، لو غسل ثم غسل لم يطهر، فهو نجس العين، ونجاسته لا تزول أبداً؛ ولأجل ذلك أمر بغسل الإناء الذي ولغ فيه سبعاً إحداهن بالتراب أو الثامنة كما تقدم، وهذا دليل على نجاسته.
ثانياً: أنه يمنع دخول الملائكة، فلا تدخل الملائكة البيت الذي فيه كلب، ولعل ذلك لنجاسته العينية، والملائكة إنما تدخل الأماكن النظيفة السالمة من الأقذار ومن النجاسات ومن المحرمات ونحوها.
ثالثاً: أن فيه ترويع للناس، فالذي يقتنيه ويدخله في بيته كأنه يروع من دخل بيته أو من أتى إليه؛ فلأجل ذلك باء بهذا الإثم.
رابعاً: الأصل أنه لا حاجة إليه إذا لم يكن فيه منفعة.