أما تلاميذه: فقد روى عنه واستفاد منه كثير من علماء عصره منهم مكحول بن الفضل، والهيثم بن كليب الشاشي، وأبو العباس المحبوبي، والحسين بن يوسف الفربري وقد تلقى عنه هؤلاء كتابه "الجامع" وكتاب "الشمائل" وكتاب "العلل الكبير" وقد ذكر في العلل الصغير أن له كتابا آخر جعله للآثار الموقوفة.
وقد امتاز الإمام الترمذي بحافظة قوية حتى كان يضرب المثل بحفظه وضبطه. وكان مع هذا على جانب من الورع والاحتياط في الدين والزهد في الدنيا، وأما علمه بالحديث رواية ودراية فكتابه الجامع شاهد على طول باعه، وحسن تصنيفه، وبراعته في العلل والرجال.
وثناء العلماء عليه كثير، حتى قال عنه الذهبي في ميزان الاعتدال: "الحافظ العلم، أبو عيسى الترمذي صاحب الجامع ثقة مجمع عليه. ولا التفات إلى قول أبي محمد بن حزم في الفرائض انه مجهول فإنه ما عرف ولا درى بوجود الجامع ولا العلل التي له".
وقد توفي - C - بعد ما كف بصره، وكانت وفاته في رجب سنة تسع وسبعين ومائتين. ***
تعرضنا في الفصل الأول من هذا الباب لمفهوم العلة والجهود التي بذلها علماء العلل، وذكرنا أكثر الكتب التي صنفت في هذا المضمار، كل ذلك على طريقة المسح الزمني. أما من حيث المناهج التي سارت عليها هذه المصنفات فقد تنوعت إلى مناهج عدة:
أولاً: فمنها ما كان على طريقة المسائل المتفرقة، والمعارف غير المبوبة، وذلك بأن يجيب إمام من أئمة هذه الصنعة على أسئلة تلاميذه، ثم ينشط واحد من هؤلاء التلاميذ فيجمع هذه المسائل المنثورة المتفرقة في كتاب. وذلك كما فعل عباس الدوري في أجوبه يحيى بن معين وأقواله حيث جمعها في كتاب "التاريخ والعلل" وكذلك فعل عثمان الدارمي، وابن الجنيد، وابن محرز، فكل واحد من هؤلاء أسهم بجمع هذه المسائل المتفرقة.
وكما نقلت مسائل يحيى بن معين فقد نقلت مسائل أحمد وأقواله في العلل، إذ قام عدد من تلاميذه يجمعون هذا النوع من المعارف الحديثية، منهم عبد الله بن أحمد الذي جمع مسائل والده في "العلل ومعرفة الرجال" وكذلك فعل صالح بن الإمام أحمد، والميموني، وابن هانئ، والأثرم، كل واحد من هؤلاء له كتاب جمع فيه مسائل في العلل عن الإمام أحمد.
ثانيا: ومنها ما كان على طريقة المسانيد المعللة، وذلك بان يصنف إمام معتبر علل الحديث على مسانيد الصحابة، فيذكر حديث الصحابي الواحد، ثم