والقدرية والمعتزلة على العكس غلوا في إثبات أفعال العباد، فهم على طرفي نقيض.
أما أهل السنة والجماعة فيقولون: إن الله هو الذي يخلق ويرزق ويدبر؛ كما يشاء وكما يريد، والعباد لهم مشيئة، ولهم إرادة ولهم اختيار، يفعلون الأفعال باختيارهم ومشيئتهم وإرادتهم، فلهم مشيئة ولهم إرادة، لا كما تقوله الجهمية الجبرية، ولكن مشيئتهم ليست مستقلة كما تقول المعتزلة، وهذا كما في قوله تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [التكوير: 29] ، فقوله: {وَمَا تَشَاءُونَ} رد على الجبرية الذين ينفون مشيئة العبد، وقوله {إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} رد على المعتزلة القدرية الذين ينفون إرادة الله ومشيئته، {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير: 29] ، {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} [الإنسان: 30] .
والعقاب والثواب إنما على أفعال العباد التي فعلوها بإرادتهم ومشيئتهم واختيارهم، يعذبون على المعاصي؛ لأنهم هم الذين فعلوا هذه الأشياء باختيارهم، وكانوا يستطيعون تركها وتجنبها والابتعاد عنها، وهم منهيون عنها، فهم أقدموا عليها باختيارهم، فيعذبون على هذا؛ ولذلك الذي ليس له مشيئة ولا اختيار؛ كالمجنون والصغير والنائم لا يؤاخذ، لأنه ليس له مشيئة ولا إرادة، أما العاقل البالغ فهذا يؤاخذ على أفعاله؛ لأنه يستطيع الفعل والترك، الله أعطاه الإمكانية لهذا وهذا، يستطيع يصلي ويستطيع يزني في آن واحد، وهو يستطيع هذا وهذا، فإن كف عن الزنا وأقام الصلاة آجره الله عز وجل، وإن عكس وأتى الزنا وترك الصلاة عاقبه الله على أفعاله، وعلى إرادته.
قوله: «وليس شيء في العالم يخرج عن تقديره» ، كل هذا رد