وإنما كلامه معنى قائم بنفسه يعبر عنه الرسول. فهم جمعوا متناقضات لم يقل بها أحد غيرهم، فجعلوا القرآن بعضه غير مخلوق وهو المعنى النفسي، وألفاظه مخلوقة، فهذا القرآن الذي معنا الآن ليس هو كلام الله، إنما هو كلام محمد، أو جبريل، وهو مخلوق، أو أن جبريل أخذه من اللوح المحفوظ، فهو ليس كلام الله، وإنما هو حكاية عن كلام الله، أو عبارة عن كلام الله، «عبارة» هذا قول الأشاعرة، و «حكاية» هذا قول الماتريدية، وكلهم يقولون: هو ليس كلام الله؛ لأن كلام الله هو المعنى القائم بالنفس فقط، فالقرآن بعضه إلهي وبعضه بشري، مثل مقالة النصارى في عيسى: اتحد اللاهوت بالناسوت، فعيسى بعضه من الله، وبعضه مخلوق، فكذلك قول الأشاعرة يشبه قول النصارى في المسيح، بعضه مخلوق، وبعضه غير مخلوق، تناقضات والعياذ بالله.
أما من التزم بالحق فهو – ولله الحمد – على بينة وعلى بصيرة، وأهل السنة والجماعة ما زالوا يقولون: القرآن كلام الله منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود. وامتحن أهل السنة من المعتزلة على يد المأمون في هذه المسألة، وعذب الإمام أحمد عند هذه المسألة، المأمون يريد أن يلزم الناس بعقيدة المعتزلة في القرآن وأنه مخلوق، وأهل السنة أبوا ورفضوا، وفي مقدمتهم الإمام أحمد رحمه الله، أبوا أن يقولوا وأن يخضعوا لهذه المقالة الخبيثة، فثبتهم الله على الإيمان، وخذل الله المعتزلة ومن نحا نحوهم، ولم يحصلوا على طائل إلا الفضيحة والنكسة والعياذ بالله.
ومع الأسف أن بعض الكتاب يقولون: مسألة القول بخلق القرآن أو عدم خلقه مسألة لا طائل تحتها، ولا تحتاج إلى انقسام، والإمام أحمد