قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا يحيى بن يحيى وإسحاق بن راهويه واللفظ لـ يحيى قالا: أخبرنا جرير عن منصور عن هلال عن فروة بن نوفل الأشجعي].
والصحيح أنه ليس صحابياً، وإنما الصحبة ثابتة لأبيه بلا نزاع، أما هو فمن كبار ثقات التابعين.
[قال: (سألت عائشة عما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو به الله)].
لم يسألها عن الدعاء عند الطعام ولا عند الكرب ولا عند نزول المطر، ولا في المساء والصباح، وإنما سألها سؤالاً عاماً كأنه كان يسأل عن معظم دعائه عليه الصلاة والسلام، أو: ما هو الدعاء المعتاد الذي كان يدعو به النبي عليه الصلاة والسلام؟ سأل عائشة رضي الله عنها خاصة ليطلع على أقواله الإيمانية عليه الصلاة والسلام في بيته، فلا شك أنه يسأل الخبيرة بذلك.
[قالت: (كان يقول: اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت ومن شر ما لم أعمل)].
يعني: يستعيذ الله تبارك وتعالى ويستغفره لما يمكن أن يكون بدر منه، ولما يمكن أن يقع منه في المستقبل، وهذا محمول منه عليه الصلاة والسلام على الهفوات والهنات.
أما الكبائر فإن الأنبياء جميعاً معصومون من الوقوع فيها، وما وقع من الكبائر على يد الأنبياء إنما ذلك كان قبل البعثة وقبل النبوة، كما وقع من موسى عليه السلام، وأنه قتل رجلاً من بني إسرائيل، وهذا القتل كان قبل مبعثه عليه الصلاة والسلام.
أما الهفوات والصغائر فإن المحققين من أهل العلم، ومن أهل الأصول والحديث يقولون بجوازها على الأنبياء؛ ولذلك قوله هنا: (اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت) أي: من الصغائر والهفوات والهنات واللمم.
أي: الشيء الصغير جداً الذي يلم بالفرد دون قصد منه.
فالنبي عليه الصلاة والسلام يستعيذ بالله مما يمكن أن يكون وقع منه في أيامه الأولى قبل البعثة أو بعد البعثة مما وقع فيه من هنات وزلات يسيرة جداً، أعقبها استغفاراً وتوبة وإنابة إلى الله عز وجل، أو أنه عليه الصلاة والسلام أراد أن يدعو بهذا الدعاء لعلمه اليقيني بأن الدعاء هو العبادة، فهو أراد أن يتقرب إلى ربه ومولاه وسيده بهذا الدعاء؛ لأن الدعاء عبادة، أو أراد عليه الصلاة والسلام بهذا الدعاء: التواضع، وأن يعلم أمته كيف يدعون الله عز وجل، وغير ذلك من التأويلات الكثيرة التي قالها أهل العلم في شرح هذا الحديث وغيره.