وحدثناه محمد بن عبد الأعلى، حدثنا المعتمر عن أبيه -وهو سليمان التيمي - حدثنا أبو عثمان، عن أبي موسى قال: (بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم)، فذكر نحوه].
وأنتم تعلمون أن قول الراوي: (نحوه) يختلف عن قوله: (مثله).
إذ إن المثلية تستلزم المطابقة، وأما النحوية فتستلزم أن تكون هذه الرواية بمعنى الرواية السابقة، وذلك كقولنا: فلان مثل فلان في الكرم.
فلا يلزم منه أن تكون المثلية في كل شيء.
وكما في الحديث في الصحيحين: (لا تضربوا الوجه ولا تقبحوه، فإن الله خلق آدم على صورته).
وفي رواية خارج الصحيحين: (فإن الله خلق آدم على صورة الرحمن) فيها إشكال.
يعني: أن ربنا شابه آدم! وقوله: (لا تضرب الوجه ولا تقبح، فإن الله خلق آدم) كلام موجه لـ معاوية بن الحكم السلمي لما لطم جاريته، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: (لا تضرب الوجه ولا تقبح، فإن الله خلق آدم على صورة الرحمن).
وأضعف الأقوال في معنى هذا الحديث: أن الإضافة هنا إضافة تشريف، لكن في الحقيقة فيها شبهة تشبيه كذلك.
أي: تشبيه الله عز وجل بآدم.
وأقوى قول لأهل العلم في هذه المسألة كقول النبي عليه الصلاة والسلام: (هل ترون القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب؟ قالوا: نعم يا رسول الله! قال: إنكم سترون ربكم كما ترون الشمس في رابعة النهار، أو كما ترون القمر في ليلة البدر ليس دونها سحاب).
فهنا تشبيه الرؤية بالرؤية لا المرئي بالمرئي.
يعني: مثلما ترون الآن القمر ليس دونه سحاب أو ضباب أو إشكاليات تمنعكم من رؤية القمر فإنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر، وسترون ربكم تماماً كما ترون هذه الشمس.
يعني: ليس فيه أي غبش يمنعكم من رؤية الله عز وجل، ولا يحصل لكم ضيم ولا وهم ولا شك ولا ريب ولا غير ذلك.
إذاً: هذا تشبيه الرؤية بالرؤية.
أما أن تقول: إن الحديث يستلزم أن الله تعالى شبه القمر أو شبه الشمس فلا؛ لأنه سيكون عندئذ تشبيه المرئي بالمرئي، وليس مقصوداً في الروايات، وإنما المقصود أنكم كما ترون القمر صحواً جميلاً مدوراً نيراً لا يمنعكم من رؤيته غيم ولا ضباب ولا شيء من هذا، فكذلك لا يمنعكم من رؤية الله عز وجل شيء.
أما قوله عليه الصلاة والسلام: (إن الله خلق آدم على صورته)، فاختلف أهل العلم في عود الضمير، فقالوا: (الهاء) في (صورته) يعود على المضروب، فإن الله خلق آدم على صورة المضروب.
والكلام هذا لا تساعده الأدلة النقلية ولا كلام العرب؛ لأن المشبه إنما يلحق بالمشبه به غالباً، ولا يلحق المشبه به بالمشبه.
يعني: لما أقول: إن الله خلق آدم على صورته.
وأقول: إن الضمير يعود على المضروب، فهذا الكلام لغة لا يستقيم، مثل أن أقول: إن هذا الرجل يشبه ابنه، أو هذا الولد يشبه أباه، لكن لا يصح أن أقول للأخ الكبير: أنت تشبه أخاك الصغير الذي هو أصغر منك بعشر سنوات، فضلاً أن يكون ذلك في الأب، وآدم أبو البشر، فلما أشبه آدم بأحد لا يصح، لكن ممكن أشبه الناس بآدم؛ لأنه الناس من آدم، وآدم هو أبو البشر.
وقال بعض أهل العلم من المحققين من السلف: إن لله تبارك وتعالى ذات، وهذه الذات موصوفة بصفات، فإذا كانت ذات لها صفات فلا بد أن تكون لها صورة، والله تبارك وتعالى خلق الخلق على صور كما أنه سبحانه وتعالى ذات له صورة، وصورة المولى تبارك وتعالى لا يعلم كيفيتها إلا هو سبحانه، أما صور المخلوقين فمعلومة، فهذا تشبيه الصورة بالصورة.
بمعنى: كما أن لله تعالى ذات فله صورة وكذلك مخلوقاته عبارة عن صور وذوات، فهذا تشبيه لصورة بصورة، لا تشبيه للمصور بالمصور، ولا تشبيه للعبد بالخالق تبارك وتعالى.
إذاً: كما أن لله تعالى ذاتاً موصوفة بصفات ولها صورة، فكذلك آدم أبو البشر له ذات لها صفات ولها صورة، فهنا في هذا الحديث: إثبات الصورة لله عز وجل وإثبات الصورة للمخلوقين، لكن إثبات الصورة لله وللمخلوقين لا يستلزم المشابهة والمماثلة أبداً، بل يستحيل إثبات المماثلة والمشابهة في كل شيء بين الخالق وبين المخلوق.
إذاً: الذين تكلفوا رد حديث: (إن الله خلق آدم على صورة الرحمن) واكتفوا بذكر عود الضمير إلى آدم، إنما تكلفوا ما لا طاقة لهم به؛ لأن الحديث بلفظ: صورة الرحمن، صحيح بغير إشكال.
ثم ما الذي يمنعنا أن نؤمن بأن لله تعالى صورة كما آمنا بكل أسمائه وصفاته، وأن نفوض كيفية الصورة لله عز وجل، أما صورة المخلوقين فنحن نعرفها.