يقول الإمام النووي عليه رحمة الله: معنى: (أربعوا).
أي: ارفقوا بأنفسكم واخفضوا أصواتكم، فإن رفع الصوت إنما يفعله الإنسان لبعد من يخاطبه ليسمعه.
يعني: أن الإنسان يضطر إلى رفع صوته حتى يسمعه من يخاطبه.
ثم قال: وأنتم تدعون الله تعالى وليس هو بأصم ولا غائب -وليس ببعيد عنكم- بل هو سميع قريب، وهو معكم بالعلم والإحاطة.
وقول النووي: وهو معكم بالعلم والإحاطة، هذا القول منه رحمه الله تعالى عض عليه بالنواجذ؛ لأنه رحمه الله في الغالب يؤول أو ينقل قول المتأولة من الأشاعرة ثم لا ينكره، بينما في هذا القول وافق منهج أهل السنة وبعض أهل العلم ينسب النووي لمذهب الأشاعرة وليس كذلك، بل الإمام النووي لم يتأهل جيداً لمسائل الاعتقاد، ولذلك أحياناً ينقل كلام السلف ويستحسنه، وأحياناً ينقل كلام الخلف ويسكت، وأحياناً ينكر، وقلما ينكر.
فهنا في المعية نقل كلام أهل العلم من السلف والصحابة وغيرهم بأن معية الله عز وجل لعباده إنما هي معية سمع وعلم وإحاطة وغير ذلك، أما معية الذات فلم يقل بها إلا الخلف؛ لأن السلف إنما يثبتون لله عز وجل الفوقية والعلو، فالله تبارك وتعالى استوى على العرش.
ومعنى استوى: علا وارتفع.
فالله تبارك وتعالى ينزل في ثلث الليل الآخر، أو إذا بقي ثلث الليل الآخر فينادي عباده، ونزوله سبحانه للسماء الدنيا نزولاً يليق بجلاله وكماله، والسلف يعتقدون أن نزول الرب تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا لا يستلزم خلو العرش منه، كما أنه لا يستلزم الانتقال والحركة؛ لأن النزول في حق الرب تبارك وتعالى يختلف عن النزول في حق المخلوقين، فإذا نزل أحدنا من الدور الثاني إلى الدور الأول فإنما هذا نزول يعرفه البشر، كما أنه يستلزم خلو المكان الأول منه، ويستلزم الانتقال والحركة، وكل هذا في قوانين البشر معقول، أما في القانون السماوي الإلهي وفيما يتعلق بالذات العلية فإنه لم يقل بذلك أحد من السلف رضي الله عنهم أجمعين.