قال: (ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة).
أي: من سلك طريقاً يطلب فيه العلم لله تعالى، فإن الله يجعل له طريقاً مسلوكاً إلى الجنة، وهذا في العلم الشرعي على جهة الخصوص، كما قال النووي وغيره.
قال: (وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله).
ولا يلزم أن يكون هذا الاجتماع في بيت الله عز وجل، بل هذا لا مفهوم له من جهة النص، والأصل عدم القيد.
أي: وما اجتمع قوم على كتاب الله يتلونه ويتدارسونه فيما بينهم بل تثبت هذه الفضيلة لكل اجتماع على كتاب الله وعلى سنة رسوله وعلى ذكر الله تعالى.
قال: (يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة).
قال بعض أهل العلم: السكينة هي الرحمة وهذا غلط؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وغشيتهم الرحمة).
فلما كانت المغايرة بين السكينة والرحمة باجتماعهما في الدليل دل على أن السكينة غير الرحمة؛ ولذلك يقول أهل العلم: السكينة هي الطمأنينة، وهذا مصداق قول الله تعالى: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28].
وأعظم الذكر: تلاوة القرآن، فهي المحادثة مع الله عز وجل بتلاوة كلامه الذي أنزله من السماء.
قال: (وحفتهم الملائكة).
قال العلماء: حفتهم الملائكة رأساً وأفقاً أم رأساً فقط، أم أفقاً فقط، كما جاء في الحديث: (من سلك طريقاً يطلب فيه علماً أو يلتمس فيه علماً إلا نزلت عليهم الملائكة فوجاً يتلوه فوج حتى يبلغوا السماء الدنيا).
إذاً: الملائكة أفواج الفوج الأول فوق الثاني فوق الثالث حتى يكونوا طبقات، ويكون نتاج هذا الاجتماع ظلة تظل طلبة العلم ومجلس العلم كهذا المجلس، نسأل الله أن نكون منهم.
فتصور أن هذا المجلس تحفه الملائكة وتنزل فيه السكينة وتغشاه الرحمة، ويباهي بنا الله تعالى أهل السماء، ومعظمنا إنما آثر أن يأتي في هذا المجلس بدل أن يجلس في الياهو، ولذلك جاء في الحديث: (إن فيهم فلاناً ليس منهم).
أي: فيهم واحد ليس منهم، غير أنه رأى الناس أعلنوا عن الدرس فقال: أجلس أسمع الدرس من أهل السنة هؤلاء، وهذا الرجل من أشقى الخلق، ومع هذا قال النبي عليه الصلاة والسلام عن ربه: (هم القوم لا يشقى بهم جليسهم).
يعني: هذا الرجل الذي ليس منهم، إنما يحظى ببركة هذا المجلس وتصيبه النفحات الربانية في هذا المجلس، وهذا ليس فضلاً للرجل وإنما هو فضل مجلس العلم، وفضل الاجتماع على كتاب الله وعلى سنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
قال: (ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه).
أي: من كان حسيباً أو نسيباً، فقصر في العمل لم ينفعه ذلك.
يعني: نسبك وحسبك ومالك وجاهك وسلطانك لا يغني عنك من الله شيئاً، إنما الذي يغني عنك هو العمل، فإذا قصرت في العمل فلا تنفعك حظوظ الدنيا بأسرها وإن حزت عليها، لا أبوك ولا أمك ولا جدك ولا عمك ولا خالك ولا الأزهر كله بمشيخته أو غير مشيخته، حتى وإن كنت ابن أمير المؤمنين، وإن كنت ابن نبي، ولذلك فإن نوحاً عليه السلام لم يغن عن ولده شيئاً، ولوطاً لم يغن عن امرأته شيئاً، ونوحاً لم يغن عن امرأته شيئاً، وامرأة فرعون لم تغن عن فرعون شيئاً، فمن بطأ به عمله لا ينفعه النسب ولا الحسب، ولا الجاه ولا السلطان ولا الوزارة، ولا الرئاسة، ولا الحكم ولا الخلافة؛ وفي القبر يأتيك العمل الصالح فيمثل لك على صورة رجل قد امتلأ نوراً فتقول: من أنت يرحمك الله؟ هذا الوجه الذي يبشر بالخير، فيقول: أنا عملك الصالح.
أما إذا كنت غير ذلك -والعياذ بالله- فيمثل لك هذا العمل في صورة رجل على أقبح صورة تراها.