قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عمرو الناقد وإسحاق بن إبراهيم -وهو المعروف بـ ابن راهويه - وابن أبي عمر -وهو محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني المكي أي: نزيل مكة- جميعاً عن ابن عيينة -وهو سفيان بن عيينة أبو محمد المكي - وهذا اللفظ لـ ابن أبي عمر].
هذا الحديث رواه أكثر من واحد، والإمام مسلم رواه من عدة شيوخ منهم: عمرو الناقد وإسحاق بن إبراهيم المروزي وابن أبي عمر إلا أن هذا السياق لواحد دون الثلاثة، وأما ألفاظ الباقين فهي على النحو من هذا السياق، وليست مثله تماماً بتمام.
قال: [حدثنا سفيان وهو ابن عيينة عن الزهري -وهو محمد بن مسلم بن شهاب الزهري الإمام الكبير المعروف- عن أبي سلمة -وهو ابن عبد الرحمن بن عوف صحابي كبير- قال: كنت أرى الرؤيا أُعرى منها].
يقال: رجل عري.
أي: رجل أصابته حُمى.
والمعنى: أنه أُصيب بسخونة أو بحمى غير أنه قادر على المشي [قال: غير أني لا أُزمل] أي: لا أُغطى في الفراش، من قوله عليه الصلاة والسلام: (زملوني زملوني)، وقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} [المزمل:1].
قال: [حتى لقيت أبا قتادة الأنصاري فذكرت ذلك له فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان، فإذا حلم أحدكم حلماً يكرهه فلينفث عن يساره ثلاثاً، وليتعوذ بالله من شرها فإنها لن تضره)].
أي: لا تضره لو التزم هذه التعليمات، لكن لا بد أن تحفظ معي ما الذي يجب على من رأى حلماً يكرهه؛ ولم يأت ذلك في حديث واحد، وإنما في أحاديث شتى.
قال: [(الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان)] مع أن الرؤيا والحلم كلاهما مخلوقان لله عز وجل؛ لأن الخير والشر من الله عز وجل، والحلم هو الشر، وإذا كانت الرؤيا من الله عز وجل؛ فهي دليل الخير، فالرؤيا خلقها الله عز وجل في تصوّر الرائي أو في عقل الرائي الباطن أو في منامه وكذلك الحلم.
فالحلم مخلوق لله عز وجل، والله تعالى أراده إرادة كونية، لكن الشيطان يحضره ويُسر به ويفرح، والشيطان ليس خالقاً، والخالق الواحد هو الله عز وجل، فلا خالق غيره، فهو الذي خلق الخير وأمر به وأحبه ورضيه، ورتّب عليه الثواب، وخلق الشر ولم يرضه.
ومعنى خلقه: أنه أذن في وجوده كالزنا، والسرقة، وشرب الخمر وغير ذلك، فلا يكون شيء في الكون إلا بأمر الله عز وجل وإذنه، لأنه ليس لأحد أن يتحرك حركة أو يسكن سكنة إلا بإذن الله عز وجل، فإن الذي يأتي المعصية يلزمه فيها عدة جهود لإتمامها، وهي: المشي على الأقدام، والبطش باليد، وغير ذلك.
والقتل، والسرقة، والزنا، وشرب الخمر كل هذا لا يمكن أن يتم إلا بإذن الله عز وجل، ومعنى أن الله أذن فيه مع أنه لم يحبه، بل كرهه وحرّمه، وأرسل الرسل بالنذارة والوعيد الشديد، وأنزل الكتب تحذيراً من الوقوع في هذه المعاصي، وخلق الجنة والنار، وبيّن الطريق، وأقام الحجة على العباد؛ حتى يهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بيّنة.
وكذلك الحلم فإن الله تبارك وتعالى أذن في إيجاده، وكذلك الرؤيا الطيبة أذن الله تبارك وتعالى في إيجادها، ومعنى (أذن).
أي: أنه أمر بخلقها في تصور الرائي أو في النائم، أما الرؤيا فلا يحضرها شيطان؛ لأنها خير، ومواطن الخير يفر منها الشيطان، أما الحلم فإنه شر ولذلك يحضره الشيطان، ويفرح به ويُسر، وإنما يغتاظ أشد الغيظ أن يرى الرجل رؤيا صالحة، فلا طاقة له بها، ولذلك يهرب من ميدانها، ويحضر في موطن يحلم فيه المرء حلماً سيئاً.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (الرؤيا من الله والحلم من الشيطان) حتى لا يتصور أحدكم أن الشيطان يبتدئ الخلق في تصور الرائي أو في ذهنه أو في عقله؛ لأن الشيطان أقل من ذلك، وأنه لا يقدر أن يخلق شيئاً.
قال: [(فإذا حلم أحدكم حلماً يكرهه)] سواء ذكر يكرهه أو لم يذكر، فالمعلوم أن الذي يرى حلماً أنه يكره ذلك، فإذا كان يحبه فليعلم أنه رؤيا صالحة، وليس أحد من الخلق يحب الحلم؛ لأن الحلم إزعاج وكوابيس ونكد وغم وهم، بل صراع وحرب بين الرائي وبين ما يراه طوال نومه، أو في جزء كبير من نومه، فيتصور -مثلاً- أن بعيراً أو أسداً أو ثعباناً يتبعه ويلاحقه، أو غير ذلك، من الذي يحب ذلك في يقظته فضلاً أن يحب ذلك في منامه؟ إن الواحد منا لو رأى حلماً على النحو من هذا أن بعيراً يجري خلفه، ثم يستيقظ فجأة فإنه يقول: الحمد لله أن هذا كان حلماً ولم يكن حقيقة، لأنه كره ذلك من قلبه.
فعلاج من رأى حلماً يكرهه هو ما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام بقوله: [(فلينفث عن يساره ثلاثاً)] والنفث هو النفخ.
وإن شئت فقل: هو كال