وعن عبد الله بن عمرو قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (أتعلم أول زمرة تدخل الجنة من أمتي؟ قال: الله ورسوله أعلم، فقال: المهاجرون هم الذي يدخلون الجنة أولاً، يأتون يوم القيامة إلى باب الجنة ويستفتحون فتقول لهم الخزنة: أوقد حوسبتم؟) أي: هل قد حاسبكم الله عز وجل، (فيقولون: بأي شيء نحاسب، وإنما كانت أسيافنا على عواتقنا في سبيل الله حتى متنا على ذلك؟ فيفتح لهم الخازن فيقيلون فيها أربعين عاماً قبل أن يدخلها الناس)، أي: يمكثون في الجنة أربعين عاماً قبل أن يدخلها بقية أهلها.
وأنتم تعلمون أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (يدخل الجنة سبعون ألفاً بغير حساب ولا سابقة عذاب مع كل واحد منهم سبعون ألفاً) فهم سبعون ألفاً في سبعين ألفاً، قال: (وهم الذين لا يتطيرون، ولا يسترقون، وعلى ربهم يتوكلون، قال رجل من أصحابه عليه الصلاة والسلام: ادع الله أن أكون منهم، قال: أنت منهم، فقام آخر فقال: ادع الله أن أكون منهم، قال: سبقك بها عكاشة)، ولا يفهم من الحديث أن السائل الثاني ليس منهم؛ لأن الجواب ليس فيه سرد لهم، وإنما الجواب يفهم منه: عدم فتح الباب لكل من أراد أن يسأل هذا السؤال، ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام علم حذيفة أسماء المنافقين، وأنتم تعلمون أنه لا يدخل الجنة منافق، وعمر رضي الله عنه من المبشرين بالجنة، ولذلك قال عمر لـ حذيفة: يا حذيفة! أسماني لك رسول الله في المنافقين؟ قال: لا يا أمير المؤمنين، ولا أزكي أحداً بعدك، يعني: لا تفتح علي هذا الباب يا أمير المؤمنين؛ لأنك لو فتحته فربما أتى المنافق فسأل عن نفسه فلا يسعني إلا الجواب، فحينئذ تكون الفتنة، فاعتذر إليه حين أجابه عن نفسه، ثم أغلق الباب.
وكذلك النبي عليه الصلاة والسلام، لما سأله عكاشة: ادع الله أن أكون منهم يا رسول الله! قال: أنت منهم، فقام آخر فقال: وأنا أدع الله لي أن أكون منهم، قال: سبقك بها عكاشة، لأنه يمكن أن يقوم من المنافقين من يسأله، لأنه إذا كان جريئاً على الله، فكيف لا يكون جريئاً على النبي عليه الصلاة والسلام؟! فأراد النبي أن يغلق باب الشر وباب الفتنة.
أما بيان العلامات لهؤلاء الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عقاب فهي: أنهم: (لا يسترقون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون) وهناك رواية عند البخاري وهي شاذة: (الذي لا يرقون ولا يسترقون) وهذا غير صحيح، إنما الرواية الصحيحة: (هم الذين لا يتطيرون)، والعرب كانت تتشاءم بالطير، فكان من قتل له قتيل مثلاً أو أراد أن يسافر أتى بالحمام ورماه في الهواء وقال: إذا ذهب يميناً ثأرت للقتيل، وإذا ذهب شمالاً لا أثأر، أو إذا ذهب الطير يميناً أسافر وإذا ذهب يساراً لا أسافر وغير ذلك، وهذا من التشاؤم، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لو كان الشؤم في شيء لكان في ثلاث: المرأة، والفرس، والدار)، وفي رواية: (المرأة، والمركب، والدار)، و (لو) حرف امتناع لامتناع، يعني: الأصل أنه لا شؤم في الإسلام البتة، ولا حتى في المرأة، ولا في الفرس أو الدابة، ولا في الدار، فلا شؤم في الإسلام، وهذا نص كلامه قال: (لو كان الشؤم في شيء) يعني: لو صح أن هناك شيئاً اسمه شؤم مشروع لكان في هذه الثلاث، لكن ليس هناك شيء اسمه شؤم فلا يصح للمرء أن يتشاءم.
قال النبي عليه الصلاة والسلام لـ عبد الله بن عمرو رضي الله عنه: (أتعلم أول زمرة تدخل الجنة من أمتي؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم، فقال: المهاجرون، يأتون يوم القيامة إلى باب الجنة ويستفتحون، فتقول لهم الخزنة: أوقد حوسبتم؟ فيقولون: بأي شيء نحاسب، وإنما كانت أسيافنا على عواتقنا في سبيل الله عز وجل حتى متنا على ذلك).