قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: تحريم حلب الماشية بغير إذن مالكها]، أي: لابد أن يأذن مالكها أو يغلب على الظن أنه يفرح بذلك لما بيني وبينه من ود.
وهذه المسألة مسألة عرفية، وهي في الوقت نفسه نسبية، بشرط عدم اختراق الحواجز والحرمات، فالناس يختلفون، فإنسان له أناس مقربين يحب أن يعطيهم إبله، وهناك أناس لا يحب أن يعطيهم أي شيء، فلو أني غلب على ظني أنك تحب أن تراني أحلب شاتك فأنا أفعل ذلك لأجل إدخال السرور عليك وإلا فالأصل المنع؛ لأن هذا مال الغير ولا يحل أخذه إلا بإذن صاحبه، قال النبي عليه الصلاة والسلام في حديث ابن عمر: (لا يحلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه، أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته فينتفل طعامه؟!).
والنبي عليه الصلاة والسلام يضرب مثلاً، وفي هذا جواز ضرب الأمثال.
والمشربة: غرفة المتاع وتسمى غرفة الخزين أو المعاش، وضرع الماشية عبارة عن المشربة التي يخزن فيها ويعبأ فيها الطعام، فكما أنك لا تحب أن تكسر هذه المشربة ويؤخذ منها الطعام، فكذلك لا يحل لأحد أن يهجم على ضرع ما شيتك فيأخذ منها اللبن ويشربه.
وفي هذا فائدة أخرى: أن اللبن يطلق عليه طعام وإن كان الأصل فيه أنه شراب، فلو حلف إنسان ألا يطعم هذا اليوم فلا يحل له أن يشرب اللبن، فلو شربه لزمته الكفارة، ويقع منه الطلاق إن علق طلاقه على الطعام وشرب اللبن.
قال صلى الله عليه وسلم: (إنما تخزن لهم ضروع مواشيهم أطعمتهم) ولم يقل: أشربتهم عليه الصلاة والسلام، (فلا يحلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه)، والإمام مسلم عليه رحمة الله أورد عدة أبواب في كتاب اللقطة لم يتبين لي أو ما وجدت كلاماً لأهل العلم من الشراح في ذكر مناسبة هذه الأبواب في باب اللقطة؛ ولا أدري ما العلاقة بين هذه الأبواب وبين كتاب اللقطة.