الباب التاسع والسبعون: باب في فضل الحج والعمرة، ويوم عرفة.
قال: [قالت عائشة رضي الله عنها: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة -يعني: لا يوجد يوم أكثر عتقاً من الرقاب من النار أكثر من يوم عرفة- وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟)]، أي: يرجون رحمتك، ويخافون عذابك كما في بقية الحديث الآخر، قال: (يرجون رحمتي ويخافون عذابي، ولم يروه)، أي: ولم يروا عذابي، فكيف لو رأوه.
فقوله: (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة) لا يتعارض مع حديث: (خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة)، ووجه الجمع بين الحديثين: أن خير أيام الأسبوع هو يوم الجمعة، وخير أيام السنة هو يوم عرفة.
والدنو دنو حقيقي يليق بالله عز وجل، والإمام النووي عليه رحمة الله كان يقع في التأويل أحياناً، وتلاميذه من فحول أهل العلم اعتذروا عن النووي بأنه لم يتقن مسائل العقيدة، وتصدر للتصنيف والتأليف في الفقه والأصول وغير ذلك قبل أن يستيقن من مسائل الاعتقاد، فكلما مرت عليه المسألة في أثناء تصنيفه تكلم فيها ونقل فيها عن أهل العلم، فتارة ينقل، وتارة يسكت، وتارة يوافق المتأولة.
وله تأثر بعلماء زمانه ومشايخه، وأنهم كانوا متأولة، فقد كانوا في العقيدة أشاعرة، فقد قال النووي في شرحه لهذا الحديث: قال القاضي عياض: قال المازري: معنى (يدنو) أي: تدنو رحمته وكرامته، لا دنو مسافة ومماسة.
وهذا تأويل أيضاً، لأن دنو الرحمن صفة فعل لله عز وجل، وصفة أفعاله لا يعلم كيفيتها إلا الله عز وجل، كما لا يعلم صفات ذاته إلا هو سبحانه.
فأهل السنة يثبتون جميع الصفات لله عز وجل على المعنى اللائق به، ولا نخوض فيها بكيف ولا تأويل، إنما نؤمن بها كما جاءت ونمرها كما أمرها سلفنا رضي الله عنهم، وهذا أسلم وأحكم وأعلم.