باب بيان أن السعي بين الصفا والمروة ركن لا يصح الحج إلا به

الباب الثالث والأربعون: باب بيان أن السعي بين الصفا والمروة ركن لا يصح الحج إلا به.

والسعي بين الصفا والمروة للمتمتع يكون مرتين؛ لأن العمرة الأولى لا تتم إلا بطواف وسعي، والحج لا يتم إلا بطواف وسعي.

أما القارن فإن عمرته تتم بغير سعي إذا كان سيسعى مع طوافه في يوم النحر، يعني: أن القارن إما أن يؤخر السعي، وإما أن يعجل السعي، فإذا عجل السعي فالسعي في يوم النحر مستحب وليس واجباً.

أما المفرد إذا أخره فالسعي في يوم النحر في حقه واجب؛ لأن المفرد ليس له إلا سعي واحد.

قال: [عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: أو قلت لها: إني لأظن رجلاً لو لم يسع بين الصفا والمروة ما ضره، قالت: لم؟ قلت: لأن الله تعالى يقول: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة:158] إلى آخر الآية، فقالت: ما أتم الله حج امرئ ولا عمرته لم يطف بين الصفا والمروة]، يعني: عروة بن الزبير يقول لـ عائشة: أنا أرى أن واحداً حج أو اعتمر ولم يسع بين الصفا والمروة ليس عليه حرج، وأن السعي بين الصفا والمروة إنما أذن فيه الشارع لبيان مسألة عقدية كانت على أيام الجاهلية؛ لأن الله تعالى يقول: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة:158].

فوقف عند قوله: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ} [البقرة:158] يعني: المسألة ليست عزيمة، فالذي يريد أن يسعى فلا جناح عليه، والذي لا يريد لا شيء عليه، فلا جناح عليه أن يطوف بهما.

قالت عائشة رضي الله عنها له: لو كان الأمر كما تقول لكان: فلا جناح عليه ألا يطوف بهما؛ يعني يطوف أو لا يطوف، إذا كنت تعتبر أن هذا الطواف أو السعي بين الصفا والمروة من باب الاستحباب لكان سياق الآية يختلف عن سياق المتواتر، فلا جناح عليه ألا يسعى، فالآية ليست كما تظن أو كما فهمت، بل الآية حجة عليك، وليست حجة لك، فهي تريد أن تقول له: أنت لا تفهم الحديث إلا إذا عرفت سبب ورود الحديث، ولا تفهم الآية إلا إذا عرفت سبب نزول الآية، فقوله تعالى: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة:158]، كانت الأنصار في الجاهلية يعبدون صنمين هما: إساف وكان على الصفا، ونائلة وكانت على المروة، ثم تحول الصنمان إلى حجر الكعبة، ثم إلى جوار الكعبة، فكانوا يسعون بين الصفا والمروة لأجل عبادة الصنمين.

فالأنصار لما دخلوا في الإسلام وأتوا إلى مكة معتمرين تحرجوا أن يطوفوا بين الصفا والمروة؛ لأنهم كانوا يسعون في الجاهلية عبادة للأصنام.

فقولها: إنما كان ذاك أن الأنصار كانوا يبلون في الجاهلية لصنمين على شاطئ البحر يقال لهما: هتاف ونائلة، وقولها: على شاطئ البحر هذا خطأ، وإنما الذي كان على شاطئ البحر شيء آخر.

قالت: ويأتون إلى الصفا والمروة فيعبدون هذين الصنمين، ثم يجيئون فيطوفون بين الصفا والمروة، ثم يحلقون، فلما جاء الإسلام كرهوا أن يطوفوا بينهما للذي كانوا يصنعونه في الجاهلية، أي: يطوفون بين الصفا والمروة لعبادة الصنمين.

قالت: فأنزل الله عز وجل: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة:158]، أي: ليستا عبادة الصنمين، وإنما هما من شعائر الله، {فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ} [البقرة:158] أي: فلا يتحرج أن يطوف بين الصفا والمروة كما كان يطوف في الجاهلية، فإنه الآن من شعائر الإسلام.

قال: [قال عروة: قلت لـ عائشة: (ما أرى علي جناحاً ألا أطوف بين الصفا والمروة، قالت: لم؟ قلت: لأن الله عز وجل يقول: {فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة:158]، قالت: لو كان كما تقول لكان: (فلا جناح عليه ألا يطوف بهما) إنما أنزل هذا في أناس من الأنصار كانوا إذا أهلوا أهلوا لمناة في الجاهلية -ومناة هذه هي التي كانت على شاطئ البحر- فإذا دخلوا الحرم توجهوا إلى الصفا والمروة فعبدوا هذين الصنمين، فيطوفون بين الصفا والمروة، فلما قدموا مع النبي صلى الله عليه وسلم للحج ذكروا ذلك له، فأنزل الله تعالى هذه الآية، فلعمري ما أتم الله حج من لم يطف بين الصفا والمروة)].

قولها: فلعمري هذا قسم، (ما أتم الله حج امرئ أتى للحج ما لم يطف بين الصفا والمروة)، يعني تريد أن تقول له: إن السعي هذا ركن من لم يأت به فلا حج له.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015