إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة.
إن الحاج إذا لم يجد ما يشتري به شاة فالواجب في حقه صيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله، وكذلك إذا كان معه المال الذي يشتري به الشاة ولكنه لم يجد شاة ليشتريها فالواجب عليه أن يصوم.
أما قول من قال: يقيم الشاة ويتصدق بثمنها على فقراء الحرم فهذا ليس بصحيح، والصحيح: أن من لم يجد عين الشاة وجب عليه الصيام، سواء أكان لا يملك ما يشتري به الشاة، أو يملك المال ولكنه لم يجد الشاة نفسها.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب وجوب الدم على المتمتع، وأنه إذا عدمه لزمه صوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله].
قال: [عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج)].
قوله: (تمتع النبي صلى الله عليه وسلم)، ونحن نعلم أن التمتع الاصطلاحي ليس هو حج النبي عليه الصلاة والسلام فالنبي صلى الله عليه وسلم حج قارناً، فالتمتع هنا هو التمتع اللغوي، وهو الالتفاف والانضمام، وهو أنه جمع العمرة إلى الحج، وجمع الحج إلى العمرة قراناً من جهة الاصطلاح، وإن كان من جهة اللغة يسمى القران تمتعاً.
فالاصطلاح أن النبي عليه الصلاة والسلام أحرم من ذي الحليفة بالحج مفرداً، ولما قارب مكة نوى إدخال العمرة على الحج فكان قارناً، فهو أول الأمر كان مفرداً، ثم قرن قبل طواف القدوم.
قال: [تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج وأهدى، فساق معه الهدي من ذي الحليفة، وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة -يعني: لما خرج من مكة أهل بالعمرة- ثم أهل بالحج، وتمتع الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج، فكان من الناس من أهدى -أي: من الناس من ساق الهدي معه من الميقات- ومنهم من لم يهدي -أي: ومنهم من لم يسق معه الهدي من الميقات- فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قال للناس: من كان منكم أهدى فإنه لا يحل من شيء حرم منه حتى يقضي حجه)]، يعني: من ساق الهدي معه من الميقات فإن حجه قران، والقارن لا يحل من حجه حتى يتم حجه الأكبر؛ لأن الحج يطلق على العمرة من باب المجاز، والحج الأكبر هو بعد رمي الجمرات والنحر والحلق والطواف حول الكعبة، والسعي بين الصفا والمروة، فحينئذ يحل له.
والمفرد لا يحل إلا في يوم النحر، وكذلك القارن لا يحل إلا في يوم النحر، أما المتمتع الذي لم يسق الهدي فإنه إذا اعتمر تحلل من إحرامه تماماً وحل له كل شيء حتى النساء، ثم يهل بالحج يوم التروية، فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول لأصحابه: (من كان منكم أهدى -أي: ساق الهدي- فإنه لا يحل من شيء حرم منه حتى يقضي حجه)، يعني: يوم النحر.
قال: [(ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة، وليقصر وليحلل)] يعني: الذي لم يسق الهدي يعتمر، فيطوف بالبيت ويسعى بالصفا والمروة، ويقصر أو يحلق ويكون بذلك قد تحلل من عمرته تماماً، وهذا للمتمتع.
قال: [(ثم ليهل بالحج وليهد)]، أي: يهل يوم الثامن وهو يوم التروية.
قال: (ثم ليهل بالحج ثم ليهد)، والهدي يكون في يوم النحر أو في أيام التشريق الثلاثة سواء كان ذلك بالنسبة للقارن أو للمتمتع قال: [(فمن لم يجد هدياً)]، وهذا القول متوجه للمتمتع؛ لأن القارن سيتحدد موقفه من الميقات، إذا كان قد ساق الهدي أو لم يسقه، فإذا كان قد ساق الهدي معه فهو قارن لا محالة، وإذا لم يكن قد ساق الهدي فإما أن يجد هدياً في مكة أو لا يجد، فإذا وجد كان متمتعاً وإلا فلا.
قال: (ثم ليهل بالحج وليهد، فمن لم يجد هدياً) أي: من المتمتعين الذين تحللوا من عمرتهم تماماً، وفصلوا بينها وبين الحج فليصم ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع إلى أهله.
أما كيفية حجه صلى الله عليه وسلم قال: [(وطاف رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة، فاستلم الركن أول شيء)]، أي: الركن اليماني الذي فيه الحجر الأسود؛ لأن الركن اليماني يطلق على الركنين اليمانيين، بخلاف الركنين الشاميين اللذين هما في مقابل الركنين اليمانيين.
قال: (فاستلم الركن أول شيء)، وهذا طبعاً فيه بيان أن الطائف حول البيت لا بد أن يبدأ الطواف من عند الحجر الأسود، وليجعل البيت عن شماله ثم يكمل طوفة كاملة، فمن الحجر إلى الحجر طوفة، ولا بد أن يطوف من خارج حجر إسماعيل؛ لأنه إن طاف ومر من بين الحجر والكعبة فلا يحسب له طواف؛ لأن حجر إسماعيل من الكعبة،