طلبه للعلم وشيوخه

أول سماعه للعلم كان سنة (218هـ) أي: كان بعد مولده بـ (12) عاماً، معنى ذلك: أنه بدأ طلب العلم مبكراً، وهدي سلفنا في بداية طلبهم للعلم أنهم كانوا يقبلون على القرآن الكريم أولاً فيحفظونه ويتقنونه إتقاناً جيداً كما قال عبد الله بن مسعود: الحفظ الإتقان.

فلما فرغ من هذه المهمة التي هي بمثابة الخطوة والعتبة الأولى في طلب العلم دُفع به بعد ذلك إلى مجالس المحدثين، وكان ذلك في مقتبل عمره سنة (218هـ)، فسمع من يحيى بن يحيى التميمي وهو أكبر شيخ له، روى عنه نسخته عن مالك بن أنس الأصبحي إمام أهل المدينة.

وكثير من الناس يُخطئ في هذا الأمر فيظن أن يحيى بن يحيى راوي الموطأ عن الإمام مالك هو الذي يروي عنه الإمام مسلم في الصحيح، ولكن الأمر ليس كذلك، فإن يحيى بن يحيى الذي يروي عن مالك الموطأ إنما هو يحيى بن يحيى الليثي، وأما يحيى بن يحيى الذي يروي عنه مسلم عن مالك في صحيحه فإنما هو يحيى بن يحيى التميمي وليس الليثي فليعلم هذا جيداً؛ لأن كثيراً من المحققين يخطئ في ذلك.

فـ يحيى بن يحيى التميمي هو أكبر شيخ للإمام مسلم، وهذا يدلنا أيضاً على أن مسلماً بدأ السماع في سن مبكرة، وحج في سنة (220) هـ وهو أمرد أي: لا لحية له، فسمع بمكة من الإمام القعنبي وهو إمام جليل، وهو كذلك من أجل شيوخ الإمام مسلم.

اسمه عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي، فهو أكبر شيخ له كذلك، وسمع بالكوفة من أحمد بن يونس وجماعة، وسمع ببغداد أحمد بن حنبل وعبد الله بن مسلمة وآخرين، وسمع بالري محمد بن مهران وأبا غسان، وسمع بالحجاز سعيد بن منصور وهو إمام عظيم جليل من أئمة الهدى، له مصنف في العلم اسمه سنن سعيد بن منصور، وسمع كذلك أبا مصعب وآخرين، وسمع بمصر عمرو بن سواد المصري وحرملة بن يحيى صاحب الإمام الشافعي رضي الله تبارك وتعالى عنه، وهذا يدل على أن الإمام مسلماً كان واسع الرحلة في أول عمره، والرحلة إنما هي سنة من سنن علمائنا وهديهم، كانوا إذا بدءوا بطلب العلم أخذوا علم أهل بلادهم أولاً، فإذا أتوا عليه وفرغوا منه بدءوا بالتفكير في أن يرحلوا إلى أقرب البلاد ثم أقربها فأقربها، وهذا الذي فعله الإمام مسلم، وكانت له رحلة واسعة إلى بلاد الغرب والشرق حتى حصّل علوماً كثيرة، وجاء بمسموعات وفيرة.

وممن سمع منهم الإمام مسلم غير من ذكرنا أيضاً: أحمد بن سعيد الدارمي ولا نستطيع أن نذكر كل الشيوخ الذين روى عنهم الإمام مسلم، إنما نذكر الأئمة العظام خاصة الذين أكثر عنهم مسلم في كتابه الصحيح؛ لأننا لو أردنا أن نتقصى شيوخ الإمام مسلم لما استطعنا، وعلى أية حال من الممكن أن نعد له ثلاثة آلاف شيخ، وكذلك البخاري كان له أكثر من هذا العدد.

فالإمام مسلم روى أيضاً عن أحمد بن سعيد الدارمي وابن منيع والحسن بن علي الخلال الإمام، وإسحاق بن منصور الكوسج.

وهو تلميذ الإمام أحمد بن حنبل، وكذلك روى عن شيبان بن فروخ وزهير بن حرب وسويد بن سعيد، وزهير بن حرب هذا هو أبو خيثمة النسائي أول شيخ للإمام مسلم في صحيحه، وكذلك روى عن عبد بن حميد صاحب كتاب المنتخب -واسمه عبد الحميد بن حميد - وعبد الله بن أبي شيبة وعثمان ابني أبي شيبة، وعبد الله بن أبي شيبة هو المعروف بـ أبي بكر بن أبي شيبة صاحب المصنف، مصنف ابن أبي شيبة الكبير الضخم، وهو إمام جبل كالجبال الرواسي في العلم.

وعمرو الناقد وقتيبة بن سعيد وابن رمح وابن المثنى وهارون الحمال وهناد بن السري صاحب كتاب الزهد، وابن معين إمام الجرح والتعديل صاحب التاريخ، وغيرهم بلغوا (220) رجلاً، أخرج لهم مسلم في صحيحه.

وله شيوخ عدة سوى هؤلاء لم يخرّج عنهم في صحيحه، رغم أنهم أئمة كـ علي بن الجعد صاحب الجعديات، لم يخرّج له الإمام مسلم؛ لأنه كان ين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015