قال: [وعن كعب بن عجرة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر به وهو بالحديبية وهو محرم قبل أن يدخل مكة، وهو يوقد تحت قدر، والقمل يتهافت على وجهه، فقال: أيؤذيك هوامك هذه؟ قال: نعم.
قال: فاحلق رأسك، وأطعم فرقاً بين ستة مساكين -والفرق: ثلاثة آصع- أو صم ثلاثة أيام، أو انسك نسيكة)].
قال ابن أبي نجيح وهو أحد الرواة: أو اذبح شاة، وهذا يدل على أن النسيكة المقصود بها: الشاة.
قال: [وعن كعب رضي الله عنه: (أن النبي عليه الصلاة والسلام مر به زمن الحديبية فقال له: آذاك هوام رأسك؟ قال: نعم.
فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: احلق رأسك، ثم اذبح شاة نسكاً، أو صم ثلاثة أيام، أو أطعم ثلاثة آصع من تمر على ستة مساكين)].
اتفق العلماء على القول بظاهر هذا الحديث إلا ما حكي عن أبي حنيفة والثوري: أن نصف الصاع لكل مسكين إنما ذلك في الحنطة، يعني: يتصدق بثلاثة آصع من حنطة على ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع.
وهذا الحديث يرد عليهم، ومذهب الجماهير يختلف عن هذا، فمذهب الجماهير أن نصف الصاع من أي طعام كان هو الكفارة المجزئة لمن حلق.
قال أبو حنيفة والثوري: نصف الصاع لكل مسكين إنما ذلك في الحنطة، فأما التمر والشعير وغيرهما فيجب صاع لكل مسكين.
والحديث يقول: (أو أطعم ثلاثة آصع من تمر على ستة مساكين)، فإذا كان الحديث صريحاً لا يحتمل التأويل، وخالفه قول عالم، فهل يصار إلى الدليل الذي ظاهره لا يحتمل التأويل، أو إلى قول العالم؟
صلى الله عليه وسلم يصار إلى الدليل، وهذا العالم الذي خالف الدليل إما أنه لم يبلغه، أو بلغه ولكن فيه علة، أو بلغه لكنه منسوخ، أو بلغه لكنه مؤول، أو غير ذلك من الأعذار التي بسببها خالف أهل العلم ظاهر الروايات.
فلو قلنا بقول أبي حنيفة والثوري رحمهما الله لقلنا: إنه يلزم الحالق ستة آصع، والدليل بيَّن أنها ثلاثة آصع من تمر، وهذا يجزئ.
وعن أحمد بن حنبل في رواية: أنه لكل مسكين مد من حنطة، وهذا بلاشك أيضاً منابذ للرواية؛ لأن الصاع أربعة أمداد، فإذا كان لكل مسكين مد واحد فإنه سيكون صاعاً ونصف صاع فقط، وهذا مخالف للدليل.
فهذا قول الإمام أحمد بن حنبل وهو إحدى الروايات عنه.
وعن الحسن البصري وبعض السلف: أنه يجب إطعام عشرة مساكين، والرواية تقول: ستة فقط.
قال: أو صوم عشرة أيام، والرواية تقول: ثلاثة أيام، وهذا ضعيف منابذ للسنة مردود.
انتهى كلام الإمام النووي عليه رحمة الله.