هذه الروايات التي سمعناها في مسلم على اختلاف ألفاظها، والبخاري ترجم باب: إذا أهدي للمحرم حماراً وحشياً حياً لم يقبل، ثم رواه بإسناده وقال في روايته: حماراً وحشياً، وحكي هذا التأويل عن مالك وغيره، وهو تأويل باطل.
وهذه الطرق التي ذكرها مسلم صريحة في أنه كان لحماً مذبوحاً لا يلزم أن يكون حياً، وأنه إنما أهدي بعض لحم صيد لا كله، واتفق العلماء على تحريم الاصطياد على المحرم.
قال الشافعي وآخرون: يحرم عليه تملك الصيد بالبيع والهبة، وفي ملكه إياه بالإرث خلاف.
يعني: تصور لو كان أبو قتادة اصطاد هذا الأتان ثم بعد أن اصطاده مات فوراً، فهل يرثه عبد الله بن أبي قتادة؟ هذا محل نزاع بين أهل العلم، أما لحم الصيد فإن صاده المحرم أو صيد له فهو حرام عليه، فالصيد ليس متعلقاً بنية الصائد كذلك، فقال: أما لحم الصيد فإن صاده المحرم أو صيد له فهو حرام، سواء صيد له بإذنه أو بغير إذنه، فإن صاده حلال -أي: غير محرم- لنفسه ولم يقصد أن يهديه للمحرم، ثم أهدى من لحمه للمحرم أو باعه لم يحرم عليه؛ لأنه من الأصل لم يصد ولم يعن ولم يشر ولم يساعد، والذي اصطاده حلال ليس محرماً، وهذا الحلال ما أصابه لأجل المحرم إنما أصابه لأجل نفسه هو، فإذا أصابه بهذه النية وأنه ما قصد بهذا الصيد إطعام المحرمين جاز للمحرم حينئذ.
قال أبو حنيفة: لا يحرم عليه ما صيد له بغير إعانة منهم، كأن أبا حنيفة أراد أن يقول: حتى لو نوى الصائد بصيده المحرم ما دام المحرم لم يصدر منه شيء يدل على الصيد بالإشارة أو الإعانة أو غير ذلك فإنه لا حرج عليه حتى لو كانت نية الصائد إطعام المحرم، لكن بر الأمان في مذهب الجمهور.
وقالت طائفة: لا يحل له لحم الصيد أصلاً سواء صاده أو صاده غيره له أو لم يقصده فيحرم مطلقاً، وهذا مذهب بعيد جداً، والأحاديث التي معنا في الباب ترد عليه، وعند أبي داود والترمذي والنسائي من حديث جابر أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (صيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه أو يصد لكم) فالحديث صريح، يعني: صيد البر حلال لكم يا محرمين! بشرطين: الأول: ألا تصطادوه أنتم بأنفسكم، الثاني: ألا يصطاده حلال يقصد بهذا الصيد إطعام المحرم.
وحديث أبي قتادة لما اصطاد هذا الأتان وأطعمهم وأطعم النبي عليه الصلاة والسلام محمول على أنه ما صاده بنية إطعام المحرمين وإنما اصطاده لنفسه، وحديث الصعب: أنه قصد إطعام النبي عليه الصلاة والسلام وإطعام المحرمين فلما بلغ ذلك النبي عليه السلام من نية الصعب رده وقال: لا، نحن حرم.
يحرم علينا أن نصطاد أو نعين أو أن نشير أو أن نساعد، ويحرم علينا كذلك أن نأكل من لحم الصيد الذي صيد لنا خاصة، إذاً: لابد من هذا التأويل حتى تستقيم الروايات.