قال المصنف رحمه الله تعالى: فـ[عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر به زمن الحديبية فقال: قد آذاك هوام رأسك -يعني: القمل الذي في رأسك هل آذاك يا كعب بن عجرة؟ - قال: نعم.
يا رسول الله! فقال النبي عليه الصلاة والسلام: احلق ثم اذبح شاة نسكاً)]، يعني: تعبداً لله عز وجل.
فما دام في ذلك عذر فليس عليه فداء، ولكن وجب الفداء جبراً لهذا الواجب؛ لأنه يحرم حلق الشعر للمحرم، فأبيح للمعذور بشرط أن يقدم فداءً وهو ذبح شاة.
قال: [(أو صم ثلاثة أيام -يعني: إذا لم يكن معك شاة صم ثلاثة أيام- أو أطعم ثلاثة آصع من تمر على ستة مساكين)]، وهذا حديث عند البخاري ومسلم.
والهوام: ما يهيم في رأس المرء من حشرات كالقمل وغيره الذي يضره، ولفظ الحديث: اذبح أو أو أو وهذا يدل على التخيير.
قال: [(اذبح شاة أو صم ثلاثة أيام أو أطعم ثلاثة آصع)]، والآصع: جمع صاع، ثلاثة آصع يطعم بها ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع؛ كفارة لمن اضطر إلى حلق شعره إذا كان عنده العذر في ذلك، وهذا من رحمة الله عز وجل.
قال: [وعن كعب بن عجرة كذلك قال: (أصابني هوام في رأسي وأنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية حتى تخوفت على بصري -يعني: حتى خشي أن يذهب بصره- فأنزل الله سبحانه وتعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة:196])].
(ففدية من صيام) أي: ثلاثة أيام بينته السنة، (أو صدقة) ثلاثة آصع على ستة مساكين، (أو نسك) وهو ذبح شاة.
قال: [(فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: احلق رأسك وصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين فرقاً من زبيب -الفرق: هو المكيال المعين يحمل ثلاثة آصع- أو انسك شاة، فحلقت رأسي ثم نسكت)].
ولم يتخير كعب بن عجرة الثلاثة آصع أو الصيام مع أن هذا كان في مقدوره؛ لأن الذي يذبح شاة من باب أولى يملك ثلاثة آصع، لكنه لم يفعل هذا ولا ذاك وإنما فعل الأولى، وهذا شيء عجيب، فالشرع يحتاج إلى قلوب نقية وصادقة مع الله عز وجل حين تتعامل معه، فهذا الرجل لما علم أن خير هذه الكفارات الثلاث هو الذبح ذبح، ولم يتعامل مع ربه بالحد الأدنى وإنما تعامل بالحد الأقصى، وقاس الشافعي غير المعذور على المعذور إذا كان هناك عذر، وأوجب أبو حنيفة الدم على غير المعذور إن قدر عليه لا غير، هذا فيما يتعلق بحلق الرأس.
وعن عطاء قال: إذا نتف المحرم ثلاث شعرات فصاعداً فعليه دم.
أي: إذا نتف المحرم من لحيته أو من بدنه أو من إبطه أو من شعره ثلاث شعرات فصاعداً فعليه دم.
يعني: يذبح شاة، وروى الشافعي عنه أنه قال: في الشعرة الواحدة مد، وفي الشعرتين مدان، وفي الثلاث فصاعداً دم.
إذاً: ينبغي لك وأنت تمشي في منى وعرفات ومزدلفة ألا تلعب في لحيتك وفي شعرك، أو تنتف شعر إبطك، فإنك في هذه الحالة ستنزل من عرفة بدم، وتنزل من مزدلفة بدم، وتنزل من منى بدم.
إذاً: في الشعرة الواحدة مد من طعام ملء الكفين، وفي الشعرتين مدان.