المعلوم أن الفارس إذا تتبع العدو فقتله غنمه، وأخذ منه فرسه وسلاحه ومتاعه وطعامه وشرابه وغير ذلك، فالمعلوم أنه موكل إلى إيمانه وإلى تقواه وإلى الوازع الإيماني في قلبه؛ لأن هذا مال بين يديه، فالمطلوب منه أن يتناول هذا المال وأن يسلمه للإمام، ولذلك حبس الشرع يد المقاتل أن تمتد لشيء من الغنيمة إلا على سبيل نقلها إلى الإمام، أما على سبيل التملك فهذا غلول وسرقة، وتملك بغير حق شرعي، ولا يصح التملك من الغنيمة إلا بعد إذن الإمام بإعطاء السهم، إذا كان هذا من الغنيمة، وإذا كان من الفيء فلا حظ للمقاتل؛ لأنه لا يقاتل أصلاً، والفيء ما أخذه المسلمون صلحاً أو أماناً أو عهداً أو خراجاً أو نزولاً على بقائهم في بلادهم -أي: بقاء الكافرين في بلادهم- على أن يؤدوا من المال ومن الثمر كيت وكيت على حسب ما يتفق الإمام مع هؤلاء.
أي: أصحاب الأرض.
فحينئذ للإمام أن يأخذ هذا المال وأن يقسّمه على فئات معينة وليس على كل فئة؛ ولذلك قال الله تعالى في غزوة بني النضير: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر:7].
مرد ذلك إلى أن هذا شيء أخذه النبي عليه الصلاة والسلام من بني النضير دون قتال، -أي: دون قتال يُذكر- ويستحق أن يسمى هذا المال غنيمة، وإنما هو فيء أخذه المسلمون بغير قتال، فكان الفيء موزّعاً على هذه المصارف الخمسة: لله.
أي: للمجاهدين وإعداد الجيوش.
وللرسول: أي لخاصة الرسول صلى الله عليه وسلم وأهل بيته أي: أزواجه، ولذوي القربى أي بني هاشم وبني عبد المطلب؛ لأن الصدقة محرمة عليهم؛ فعوضهم الله تعالى سهماً من أسهم الفيء.
ولليتامى.
أي: لفقراء اليتامى.
وابن السبيل.
حتى وإن كان غنياً وانقطع به الطريق فيأخذ حتى يتبلّغ إلى مكانه وإلى ماله.
قال: {كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ} [الحشر:7] أي: مالاً متداولاً بين الأغنياء كما كان هذا الأمر في الجاهلية، كانت القبيلة إذا قاتلت قبيلة أخرى وانتصرت عليها أخذوا أموالها ووضعت بين يدي شيخ القبيلة الغالبة المنتصرة، فيأخذ منها الربع حقاً خالصاً له، ثم يأخذ منها ما اشتهته نفسه بعد الربع؛ ولذلك قال شاعرهم: لك المرباع منها والصفايا.
أي: الربع منها وما يصفو لك منها بعد ذلك على حسب ما تشتهيه نفسك، وأما نحن فلنا الحثالة والباقي، سواء كان قليلاً أو كثيراً على حسب نصيبنا وحظنا، فنهى الإسلام عن هذا وقال: {كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} [الحشر:7] وحينما كان الأمر هذا لا يمكن تقريره إلا بتقوى الله قال: {وَاتَّقُوا اللَّهَ} [الحشر:7].
ثم بيّن عاقبة مخالفة التقوى ومخالفة تقسيم الفيء على هذا النحو فقال: {إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر:7] أي: إذا لم يكن ذلك منكم على مقتضى تقوى الله والخوف منه فإن الله تعالى شديد العقاب في الدنيا والآخرة.
هذا بالنسبة للفيء، أما بالنسبة للغنيمة فللفارس سهم وللفرس سهمين.