أرسل النبي صلى الله عليه وسلم أرسل أبا موسى الأشعري ليعلم الناس كلمة التوحيد وهو واحد، ثم أردفه بـ معاذ بن جبل لكي يعلم الناس في مكان آخر، فإن استجابوا علماهم الشرائع.
إذاً: فـ أبو موسى الأشعري آحاد، وكذلك معاذ آحاد، وعلي بن أبي طالب آحاد، وهذا يدل على أن خبر الواحد تقوم به الحجة في العقائد والأحكام، خلافاً للمعتزلة الذين أنكروا ذلك وقالوا: لا يجوز الاحتجاج بخبر الواحد في العقائد، إنما يحتج بالخبر المتواتر قرآناً أو سنة متواترة.
قال: [(فلما قدم معاذ عليه -أي: على أبي موسى - قال: انزل، وألقى له وسادة)].
وسادة يعني: مخدة، وهذا منتهى الإكرام.
يقول: [قال: (وإذا رجل عنده موثق)].
أي: عند أبي موسى شخص مقيد بالسلاسل.
[(قال -أي: معاذ بن جبل لـ أبي موسى -: ما هذا؟ قال: هذا كان يهودياً فأسلم، ثم راجع دينه دين السوء فتهود.
قال: لا أجلس حتى يقتل قضاء الله ورسوله)].
أرأيتم؟ معاذاً لا يريد أن يجلس أبداً حتى يقتل، فليس هناك سلام قط مع اليهود.
قال: [(اجلس.
نعم.
قال: لا أجلس حتى يقتل.
قضاء الله ورسوله)].
كأن قضاء الله ألا يجلس معهم حتى يُقتل هذا اليهودي.
قال: [(قال ذلك ثلاث مرات، فأمر به فقُتل، ثم تذاكرا القيام من الليل)].
يعني: كأنه بعد مقتل هذا اليهودي قال أبو موسى لـ معاذ: ماذا تعمل في قيام الليل؟ فلو كان هذا في زماننا فإن العالم كله ينقلب؛ لأن أبا موسى قتل رجلاً يهودياً.
إن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أما من أتانا منهم فنرده إليهم، وأما من ذهب منا إليهم فأبعده الله).
أي: نحن لسنا حريصين على من أسلم ويريد أن يرتد، فالذي يريد أن يرتد يرتد، فإن أهم شيء هو الثبات على العقيدة، هل أنا أحامي وأدافع عن أناس، وأضع يدي على قلب من أراد الكفر وأقول له: لا تكفر؟ فالنبي صلى الله عليه وسلم علّم هذا الدرس لـ خباب بن الأرت لما قال له: (ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو لنا؟ فغضب النبي صلى الله عليه وسلم واحمر وجهه، ثم اعتدل وكان متكئاً مسنداً ظهره إلى الكعبة، وقال: إن من كان قبلكم كان ينشر بالمناشير من رأسه إلى قدميه حتى يلقى على الأرض فلقتين لا يرده ذلك عن دينه).
وفي هذا الزمان تجد العلمانيين والمشركين كثيرين جداً من كُتَّاب وصحفيين يلحدون في الله عز وجل وينكرون وجوده وينكرون شريعته، ويفعلون ذلك آلاف المرات في مقالاتهم، المقال الواحد فيه عشرة مواطن من مواطن الردة، والغريب بعد ذلك كله تجد بعض المشايخ يختلف مع البعض في إثبات الردة لهؤلاء.
قال: [(ثم تذاكرا القيام من الليل، فقال أحدهما -أي: معاذ -: أما أنا فأنام وأقوم، وأرجو في نومتي ما أرجو في قومتي)].
يعني: أنا أرجو الله تعالى في نومتي ما كنت أرجوه في قومتي؛ لأنني بنومتي أتقوى به على الطاعة، وكذلك أرجو في وقت طعامي أرجوه في وقت قيامي؛ لأني آكل لأتقوى به على الصيام، وأنام لأتقوى به على القيام، فإني أرجو الله تعالى بهذا وذاك.
أما قوله: (لا أجلس حتى يُقتل، فأمر به فقتل) ففيه: وجوب قتل المرتد، ولا أصرح من ذلك من قوله عليه الصلاة والسلام: (من بدّل دينه فاقتلوه).
مرة التقيت نصرانياً في شارع الهرم، وجلست معه جلسة، ثم قلت له: ما هو حكمكم على النصراني الذي يسلم؟ قال: القتل.
قلت له: لماذا؟ قال: لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من بدّل دينه فاقتلوه).
أنت تحتج بقول النبي صلى الله عليه وسلم في هذا؟ إن الشيعة حين يجدون حديثاً صحيحاً في البخاري ومسلم يقولون: عندكم! معناه: أنه عندنا شيء وعندهم شيء آخر، فهم متأكدون أن هذه مسألة مفاصلة بين الشيعة والسنة، ونحن ننعق بالليل والنهار في التقريب بين الشيعة والسنة! قال النصراني النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (من بدّل دينه فاقتلوه).
فالذي يسلم عندنا لا ريب أنه يستحق القتل، والكنيسة قررت ذلك.
فإذا كان اليهود والنصارى يحتجون بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (من بدّل دينه فاقتلوه)، فالمسلمون يحتجون به من باب أولى؛ لأن الخطاب موجه للأمة: من بدّل دينه يا معشر الأمة! ويا معشر الخلفاء! فاقتلوه.
وقد أجمعوا على قتله، لكن اختلفوا في الاستتابة.
يعني: هل يستتاب من بدّل دينه وارتد قبل القتل أم يُقتل؟ منهم من قال: يُقتل بغير استتابة، ومنهم من قال: يُقتل بعد الاستتابة.
واختلفوا في الاستتابة.
فقيل: يوم.
وقيل: ثلاث.
وقيل: شهر.
فإن تاب وإلا قُتل.
وقال القاضي عياض: (وفي هذا الحديث أن لأمراء الأمصار -أي: للولاة الذين عي