Q ما هو القول العادل في أبي حنيفة ومذهبه؟
صلى الله عليه وسلم يغلب على مسألة المذاهب أمران كما قيل: يهلك في علي اثنان: أحدهما: مغال، والثاني: جاف.
أحدهما مغال جداً في علي حتى جعله إلهاً، فشابه النصارى في قولهم: عيسى هو الله، والثاني: متجاف عنه جداً حتى بلغ به الأمر إلى تكفير علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
هذا الأمر يشبهه أمر أبي حنيفة رحمه الله تعالى، أبو حنيفة رحمه الله كان بعيداً عن منارة العلم في زمانه، ومنارة العلم كانت في مكة والمدينة، ولا شك أن الذي يبعد عن موطن العلم يخفى عليه بعضه أو معظمه، وهذا الذي حدث، وكان أبو حنيفة مجتهداً بلا نزاع رحمه الله تعالى، بدت منه بوادر فيما يتعلق بالله عز وجل وفي بعض مسائل الاعتقاد، ولم يصنف كتاباً قط لا في العقيدة ولا في الفقه، وإنما صنّف تلاميذه، فإن كان قال ما قال -وقد ورد في كتاب الفقه الأكبر ما يُنكر- فلا شك أن هذا يرد عليه، وإن كان هذا من تلاميذه فالتبعة عليهم، لكن الإمام أبا حنيفة كان إمام الرأي، وكان سفيان الثوري إمام الأثر، وهما متعاصران بلديان، فكلاهما كوفي، وكان بينهما ما بينهما من المشاحنات، نقلها ابن حبان رحمه الله في كتاب الضعفاء والمجروحين، حتى قال سفيان في أبي حنيفة قولاً شنيعاً شديداً، واعتمده من أتى بعده، والأصل في هذا أنهما قرينان، وكلام الأقران في بعضهم يطوى ولا يروى، وقد تكلم ابن إسحاق في مالك، وتكلم مالك في ابن إسحاق، وتُكلّم في الشافعي وتُكلّم في البخاري وفي مسلم وفي غير علم من أعلام الأمة، لكن هذا الكلام عند منصة التحقيق لا يثبت ولا تثبت له قيمته، ويبقى عندنا أن الحق يؤخذ من كل من جاء به، والباطل يرد على كل من جاء به، فـ أبو حنيفة إمام من الأئمة بلا منازع، والأصل ألا يكون فيه نزاع رحمه الله تعالى، وندافع عنه ونثبت أن لحوم العلماء مسمومة، ومن تعرّض لهم بالثلب ابتلاه الله قبل موته بموت القلب، وكفى بها عقوبة.
أبو حنيفة رحمه الله كانت له مواقف رائعة جداً في نصرة دين الله عز وجل، وكان إماماً في الفقه مفنناً، وإن كان يغلب عليه الرأي والاجتهاد لخفاء الدليل عليه؛ ولذلك تجد أن حظ أبي حنيفة من الرواية ضعيف بالنسبة إلى رواية الآخرين كـ مالك والشافعي وابن حنبل، فهؤلاء فقهاء ومحدثون، أما هو فكان فقيهاً وحظه من التحديث قليل، حتى جُمع مسنده في كُتيّب صغير، ولا شك أن الواحد منا إذا خفي عليه الدليل واحتاج إلى التأويل تأوّل، وإذا احتاج إلى الاجتهاد اجتهد، مع أننا لسنا أهلاً للاجتهاد، لكن إذا اضطررنا إلى ذلك اجتهدنا، فلِم تجوّز هذا لنفسك وتستبعده على إمام كـ أبي حنيفة، فينبغي أن نترحّم على الجميع ونترضّى عن الجميع، ونسأل الله تعالى أن يثيب منهم من كان مجتهداً مصيباً، وأن يعفو عمن أخطأ، فله أجر واحد كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم.