ومن حديث ابن عباس أيضاً قال: [(جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إن أمي ماتت وعليها صوم نذر)] يعني: هذه المرأة نذرت أن تصوم أياماً غير رمضان، ولم تنذر صيام رمضان؛ لأنه فرض، وصوم النذر يقل في الفرضية عن صوم رمضان.
قالت: [(أفأصوم عنها؟ قال: أرأيتِ لو كان على أمكِ دين فقضيتيه أكان يؤدي ذلك عنها؟ قالت: نعم، قال: فصومي عن أمك)] يعني: لو كان على أمكِ دين وقضيتيه عنها هل سيسقط الدين عن أمكِ أو لا يسقط؟ (قالت: نعم، قال: فصومي عن أمكِ).
إذاً: الصيام تجوز فيه النيابة، لكن النيابة الخاصة بالولي لا العامة، وكذلك الحج يجوز فيه النيابة، لكن الصلاة لا تصح فيها النيابة، فمذهب جماهير أهل العلم أن الصلاة ليس فيها نيابة، فلا ينفع أن تصلي عن غيرك لا عن الحي ولا عن الميت، وهناك كثير من الأبناء يقولون: هذا أبونا كبير وليس قادراً أن يصلي، وأيضاً فقد عقله وبدأ يخرف وليس عنده تركيز، ويتبول على نفسه، فنحن نصلي عن والدنا من باب البر، نقول: لا، لا تصلوا عنه؛ فهو إما أنه مكلف فيصلي على أي هيئة وعلى أي حال بإمكانه، وإما أنه غير مكلف، قد فقد عقله فالله عز وجل قد أسقط عنه الصلاة في هذه الحالة، والصلاة ليس فيها نيابة، إنما النيابة في الحج والصوم، وأنتم تعلمون الحديث الذي قال فيه رجل: (لبيك اللهم حجاً عن شبرمة، قال النبي عليه الصلاة والسلام: من شبرمة؟ قال: جار لي، قال: أحججت عن نفسك؟ قال: لا، يا رسول الله) هذا الشخص لم يحج عن نفسه وذهب يحج عن جاره، انظروا إلى الصداقة الصافية الخالصة لله عز وجل، يقدم صاحبه على نفسه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (حج عن نفسك أولاً، ثم حج عن شبرمة بعد ذلك).
وفي الحديث: (إن أبي لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: حج عنه).
يعني: لا يثبت على الجمل أو الحمار؛ لأنه عجز وكبر.
والمصريون لا يفكرون في الحج إلا بعد التقاعد بعشرين سنة، فإذا ذهب إلى الحج فيحتاج إلى أربعة أشخاص يحملونه ويطوفون به، وإذا قلت له: لماذا تأخرت؟ يقول: كنت أبني البيت، وكنت أزوج الأبناء والبنات، نقول لهذا وأمثاله: أنت لست مكلفاً بكل هذا، أنت مكلف بما فرضه الله عز وجل عليك أولاً، فما فضل فلأولادك، لا يصلح أن تقدم أولادك على نفسك، فهذه فريضة وأنت قد ملكت مالاً تؤدي به هذه الفريضة، فتكون قد وجبت في حقك وجوباً فورياً، وأخر زواج ابنك وبنتك سنة أو سنتين، كذلك أخر بناء البيت واسكن في أي بيت؛ لأن الفريضة أحق من هذا، ولذلك معظم الحجاج المصريين في السبعين والثمانين والتسعين سنة، كلهم بعكاكيز، والذي ليس بعكاز يستند على اثنين، بخلاف بقية الشعوب ترى الواحد منهم يذهب إلى المنسك هذا، ومن منى إلى عرفات عشرة كيلو يمشيها على رجليه، قد تركب السيارة من منى إلى عرفات، لكن للزحام الشديد جداً لا تتمكن من ركوب السيارة، فأنت حين تمشي في الصباح من منى إلى عرفات ولا زالت الشمس غير قوية، خير لك، كذلك تمشي من عرفات إلى المزدلفة بعد المغرب والجو أهدأ من الظهر، فأنت تأخذ العشرة كيلو على رجليك وأنت منشغل بهذا الجمع، تفكر: كيف لو أنه محشور بين يدي الله عز وجل، ويوم الحج يذكرك بيوم الحشر، وبخروج الناس جميعاً إلى الله عز وجل ليحاسبهم، ثم يلقي بعضهم في النار ولا يبالي، ويلقي بعضهم في الجنة ولا يبالي سبحانه وتعالى.
ومن حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قال: [(بينما أنا جالس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أتته امرأة فقالت: إني تصدقت على أمي بجارية، وإنها ماتت، فقال: وجب أجرك، وردها عليك الميراث)].
قولها: (إني تصدقت على أمي بجارية).
يعني: أعطت البنت جارية صدقة لأمها، فلما ماتت أمها دخلت الجارية ضمن الميراث، والبنت ترث أمها، فترث الجارية؛ لأنه يجوز أن يرث الواحد من صدقته، فمثلاً: أنت تعطي أمك ملابس وتعطيها ذهباً وغير ذلك، وكذلك تعطي أباك مالاً وإخوتك يعطونه معك، فيتكون عند الوالدين من الملابس والذهب والهدايا وغيرها، فمات الأب والأم، فكل ما لديهم يصبح ميراثاً، ولا يصلح أن يقول أخي: أنا أعطيت أبي وأمي كيت وكيت وكيت وهذا أعطاها كذا فكل واحد يأخذ الذي أعطاهما، لا، ما أعطيت لأمك أو لأبيك خرج من ملكك ودخل في ملكهما، فلما ماتت الأم كان ما خلفته ميراثاً لجميع الأبناء للذكر مثل حظ الأنثيين، وكذلك ما خلفه الأب.
لكن لو أن شخصاً تصدق بصدقة في سبيل الله عز وجل، ليس على أمه ولا على أبيه، تصدق بصدقة في سبيل الله عز وجل، كأن أوقف فرساً للجهاد في سبيل الله، فهل يجوز له أن يأخذه؟ ما يجوز، كذلك هل يجوز له أن يشتريه؟ أيضاً، لا؛ لأن عمر رضي الله عنه تصدق بفرس في سبيل الله، فرأى هذا الفرس يباع في السوق، فاستأذن عمر النبي عليه الصلاة والسلام أن يشتريه فقال له النبي: (