قال: [باب بيان أنه لا اعتبار بكبر الهلال وصغره، وأن الله تعالى أمده للرؤية، فإن غم فليكمل ثلاثون.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا محمد بن فضيل عن حصين عن عمرو بن مرة عن أبي البختري - وهو سعيد بن فيروز الطائي - قال: (خرجنا للعمرة، فلما نزلنا ببطن نخلة قال: تراءينا الهلال -أي: تكلفنا رؤية الهلال في موضعه وفي مخرجه الذي يخرج منه عادة- فقال بعض القوم: هو ابن ثلاث، وقال بعض القوم: هو ابن ليلتين، قال: فلقينا ابن عباس فقلنا: إنا رأينا الهلال، فقال بعض القوم: هو ابن ثلاث، وقال بعض القوم: هو ابن ليلتين.
فقال: أي ليلة رأيتموه؟ قال: فقلنا: ليلة كذا وكذا، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله أمده للرؤية فهو لليلة رأيتموه)]، ومعناه: أنه أطال مدة هذا الهلال حتى رأيتموه، كما قال الله تعالى: {وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ} [الأعراف:202] قرئ من وجهين أي: يطيلون لهم، فإن الله سبحانه وتعالى أطال هذا الهلال حتى رآه الناس.
فنكون مع رؤية من رآه حتى وإن زاد الشهر وإن نقص، فلو أنك بنفسك رأيت الهلال هنا فبدأت الصوم، والحجاز بدءوا بعدك بيوم، فذهبت لتعتمر، فرأوا هم الهلال في التاسع والعشرين أو رأوه في الثلاثين، فإما أن تزيد يوماً أو أن تنقص يوماً، فإن كان نقصاً فيلزمك أن تعيد يوماً بعد العيد.
لكن لا بد أن تعرف أن كثيراً من مسائل الفقه محل اختلاف بين أهل العلم، فيها الراجح، وفيها المرجوح، وفيها الباطل المردود، أما الباطل المردود فلم يقل به أحد من العلماء الأجلاء الكبار الذين يعتمد عليهم، أما الراجح والمرجوح فلا بد أن تعلم أن الخلاف له أول وله نهاية، أحد هذه الآراء في قمة هذه المسائل، وأحد هذه الآراء في أدنى المسائل، ولا أستطيع أن أرد هذا الرأي الذي هو أنزل الآراء؛ لأن الدليل يشهد له أحياناً، وبين الأعلى والأسفل آراء أخرى، ولذلك لما يحصل شيء عندك تسأل وتقول: أنا أريد أن أعلم حكم الدين في هذه القضية، فيجيبك العالم ويقول: حكم الدين في هذه القضية كيت وكيت وكيت.
فتقول له: هل هناك أحد قال بغير هذا القول؟ أنت بنفسك تبحث عن قول آخر يوافق ما أنت عليه، فإذا وجدته في أقوال أهل العلم تشبثت به؛ لأنه يوافق ما في نفسك.