قال: [وحدثني حرملة بن يحيى التجيبي المصري أخبرنا ابن وهب أخبرنا يونس عن ابن شهاب].
إذا جاء بين ابن وهب وابن شهاب الزهري يونس فإنما هو يونس بن يزيد الأيلي.
قال: [عن ابن أبي أنس أن أباه حدثه أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا كان رمضان)].
(كان) بمعنى: صار كائناً وموجوداً، وهو بمعنى الرواية الأولى: (إذا جاء رمضان).
أي: إذا جاء رمضان وصار كائناً.
قال: [(فتحت أبواب الرحمة)]، وفي الرواية الأولى: (فتحت أبواب الجنة) وما الرحمة إلا ثمرة من ثمار الجنة.
قال: [(وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين)] أما كيفية سلسلة الشياطين فلا يعلمها إلا الله عز وجل.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حضر رمضان قال: قد جاءكم شهر مبارك) يعني: كله بركة.
ثم قال: (افترض عليكم صيامه)، أي: فرض الله عز وجل علينا صيام هذا الشهر، إلا من كان صاحب عذر.
ثم قال: (تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر -هي ليلة القدر، وهي أفضل عند الله عز وجل من ألف شهر- من حرم خيرها فقد حرم)، أي: من حرم خير هذه الليلة -وهي ليلة القدر- فهو المحروم حقاً، وهذا الحديث صحيح لغيره.
وعن عرفجة قال: (كنت عند عتبة بن فرقد وهو يحدث عن رمضان، قال: فدخل علينا رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآه عتبة هابه واستعظمه فسكت الرجل -أي: فسكت عتبة - قال: فحدث عن رمضان -أي: فحدث هذا الرجل عن رمضان- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول)، إذاً: هذا الرجل الذي لم يذكر اسمه في هذه الرواية صحابي؛ لأنه قال: سمعت رسول الله عليه الصلاة والسلام، والصحابي لا تضر جهالة عينه؛ لأن الصحابة كلهم عدول، ولذلك عدم ذكر اسم الصحابي في الرواية لا يؤثر على الصحة ألبتة.
قال: (فحدث هذا الرجل عن رمضان، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول في رمضان -أي: يقول في حق رمضان وفي فضل رمضان- تغلق أبواب النار، وتفتح أبواب الجنة، وتصفد الشياطين).
أنا أريد أن أؤكد على معنى (تصفيد الشياطين)؛ لأنني سمعت سنة (1990م) أحد المشايخ على منبر الجمعة يقول: هذا الحديث وإن كان متفقاً عليه إلا أنه منكر جداً عندي، ونكارته في إثبات الوضاعين لهذه الجملة: (وتصفد الشياطين)؛ فإذا كانت الشياطين تصفد في رمضان فما بالنا نرى المعاصي؟ ثم قال: والواقع يشهد على تكذيب هذا الجزء من الحديث.
أقول: للأسف الشديد إن الذي قال هذا الكلام هو رجل منسوب إلى العلم، ويتكلم بألسنتنا، ويدين بديننا، ويصعد المنابر ويعظ الناس.
فلما فرغ من خطبته قلت: يا عبد الله! أما يجدر بك أن تسأل أهل العلم إذ لم تعرف، فإنما شفاء العي السؤال؟ قال: أنت العليم؟ قلت: هذا لا يضرني، إنما الذي يضرك أن تهجم على النبي عليه الصلاة والسلام بعد مماته، لو أنك في مجلس النبي عليه الصلاة والسلام وقال هذا الكلام أكنت تجرؤ أن ترد عليه؟ قال: لا، لو قال ذلك ما كنت أجرؤ على الرد عليه، قلت: بلى والله قد قاله، وهذا الكلام ثابت في الصحيحين وغيرهما، فإذا به يهجم على الصحيحين وعلى أصحاب الصحيحين، فقلت: يكفي، لا يحاسبك الله عز وجل على ما تقول؛ لأنك مجنون، والقلم مرفوع عنك، ثم تركته.
قال صلى الله عليه وسلم: (تغلق أبواب النار، وتفتح أبواب الجنة، وتصفد فيه الشياطين، قال: وينادي فيه ملك: يا باغي الخير أبشر، -وفي رواية-: أقبل) يعني: يا مريداً لفعل الخير أقبل، فإن هذا هو موسم الطاعة، مع أنك مأمور بالطاعة في كل وقت وحين، ولكن هذا الموسم المتعارف عليه الذي هو منحة الله عز وجل لعباده.
ثم قال: (ويا باغي الشر أقصر)، يعني: ارجع عن شرك؛ مخافة أن تقبض في هذا الشهر الذي هو محل الطاعة وأنت على هذا الشر وهذه المعصية.
قال: (ويا باغي الشر أقصر، حتى ينقضي رمضان)، يعني: تصور أن الله عز وجل يسخر لك ملكاً ينادي عليك من أول يوم في رمضان إلى آخر يوم: يا باغي الخير أقبل وأبشر، ويا باغي الشر أقصر، من أول رمضان إلى أن تسمع أن غداً العيد، وقد يسأل امرؤ نفسه، فيقول: من أنا حتى يسخر الله عز وجل لي هذا الملك ينادي عليّ شهراً كاملاً، وأنا أحياناً أعصي الله وأحياناً أعرض وأجهل وغير ذلك؟ لو عرفت من أنت لكنت طائعاً، إذا كنت طائعاً لله عز وجل فأنت خير من هذا الملك الذي ينادي عليك، ولذلك اختلف أهل العلم عليهم جميعاً رحمة الله عز وجل أيهما أفضل: الملائكة أو البشر؟ ولقد حقق ش