قال: [حدثنا عبد الله بن براد الأشعري ومحمد بن العلاء الهمداني -المعروف بـ أبي كريب - وتقاربا في اللفظ، قالا: حدثنا أبو أسامة حماد بن أسامة، عن بريد -وهو بريد بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري - عن أبيه عن جده أبي موسى قال: (أرسلني أصحابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله لهم الحملان -أي: أن يحملهم- إذ هم معه في جيش العسرة -وهي غزوة تبوك- فقلت: يا نبي الله! إن أصحابي أرسلوني إليك لتحملهم، فقال: والله لا أحملكم على شيء، ووافقته وهو غضبان ولا أشعر، فرجعت حزيناً من منع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن مخافة أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وجد في نفسه علي)] أي: غضب عليه.
فـ أبو موسى الأشعري لما بان له بعد ذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام كان غضبان، خشي أن يكون هو الذي أغضب النبي عليه الصلاة والسلام؛ فأهمه وأغمه أمران: الأول: منع النبي صلى الله عليه وسلم إياهم من الحمل.
الأمر الثاني: أن يكون قد أغضب النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم قال: [(فرجعت إلى أصحابي فأخبرتهم الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم ألبث إلا سويعة إذ سمعت بلالاً ينادي: أي عبد الله بن قيس!)] يعني: بعدما رجع من عند النبي عليه الصلاة والسلام لم يلبث إلا وقتاً يسيراً، وسويعة هي تصغير ساعة، والساعة هي المدة من الزمان، لا الساعة المعلومة الآن بين أيدينا، فلبث وقتاً هو أقل من ساعة، يعني: وقتاً يسيراً جداً حتى سمع بلالاً ينادي: أي عبد الله بن قيس، يعني: تعال يا أبا موسى الأشعري! قال: [(فأجبته، فقال: أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوك -أي: يطلبك- فلما أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خذ هذين القرينين، وهذين القرينين، وهذين القرينين)] والقرينان هما بعيران أو جملان قرن كل منهما بالآخر، أو ربط كل منهما بحبل صاحبه، أو القرين: هو من تساوى مع قرينه في الرتبة والعمر، فيحمل قوله: (خذ هذين القرينين) على أنهما تقاربا في السن، وتقاربا كذلك في الجودة والعمل، أو في العطاء؛ أو لأنهما ربطا جميعاً.
في هذا الحديث ذكر ستة ذود، وفي الحديث الأول ثلاثة أبعرة، وسيأتي معنا أنهم خمسة أبعرة، ولا تنافي بين هذه الأعداد؛ لأنها إما أن تحمل على اختلاف الحوادث أو اختلاف المطالب، أو أن النبي عليه الصلاة والسلام أعطاهم الثلاثة أولاً، ثم زاد لهم بعد ذلك.
قوله: [(قال: خذ هذين القرينين وهذين القرينين وهذين القرينين، لستة أبعرة ابتاعهن حينئذ من سعد)] أي: من سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وقوله: (ابتاعهن)، أي: اشتراهن النبي صلى الله عليه وسلم، هل اشتراهن من ماله الخاص أم من بيت مال المسلمين؟ هذه المسألة محل نزاع، والراجح فيها أنه عليه الصلاة والسلام اشترى هذه الأبعرة من بيت مال المسلمين.
ثم قال: [(فانطلق بهن إلى أصحابك يا أبا موسى، فقل: إن الله -أو قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم- يحملكم على هؤلاء فاركبوهن، قال أبو موسى: فانطلقت إلى أصحابي بهن، فقلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحملكم على هؤلاء، ولكن والله لا أدعكم حتى ينطلق معي بعضكم إلى من سمع مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سألته لكم، ومنعه في أول مرة، ثم إعطاءه لي بعد ذلك) أي: أراد أبو موسى الأشعري أن يبرئ ساحته أمام أصحابه، حتى لا يقول قائل: أتيتنا قبل سويعة وقلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم منعنا الحمل، ثم أنت الآن تأتينا بستة أبعرة، وتقول: إن رسول الله يحملكم عليها؛ فقال: والله لا أحملكم حتى ينطلق معي بعضكم إلى النبي عليه الصلاة والسلام فيسمع منه أنه منعني أولاً، ثم أعطاني بعد ذلك.
ثم قال: (لا تظنوا أني حدثتكم شيئاً لم يقله)] أي: حتى لا تسيئوا بي الظن، أو أن أحدكم تحدثه نفسه أني أتكلم من عند نفسي.
قوله: [(فقالوا لي: والله إنك عندنا لمصدق!)] أي: أنت يا أبا موسى فينا صادق ومصدق.
قوله: [(ولنفعلن ما أحببت)] يعني: سيذهب بعضنا معك ليسمع؛ حتى ننفذ ما أحببت.
قوله: [(فانطلق أبو موسى بنفر منهم، حتى أتوا الذين سمعوا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنعه إياهم، ثم إعطاءهم بعد، فحدثوهم بما حدثهم به أبو موسى سواء)] أي: بنفس الكلام الذي حدثهم به أبو موسى آنفاً.