والقول بأن الدهر من أسماء الله عز وجل يرده الإجماع المنعقد سلفاً وخلفاً أن الدهر ليس من أسماء الله عز وجل وإذا كان الإجماع على هذا النحو، ولم يأت لا في زمن الصحابة ولا من بعدهم أن من أسماء الله تبارك وتعالى الدهر، فلابد من تأويل هذا الحديث.
وأما تأويله في رواية: (إن الله هو الدهر) فقد قال العلماء: وإطلاق الدهر هنا من باب المجاز؛ وسببه أن العرب كان من شأنها أن تسب الدهر عند النوازل والحوادث والمصائب النازلة بها من موت أو هرم أو تلف مال أو غير ذلك، فيقولون: يا خيبة الدهر.
يعني: يسبون الدهر.
وأنتم تعلمون أن الدهر هو الأيام والليالي، وهو الأعصر والأزمان، وهذه الأعصر والأزمان لا تفعل شيئاً في هذه المصائب، وليست سبباً في نزول المصائب، بل المصائب مخلوقة لله عز وجل، والشر مخلوق لله عز وجل، وكذلك الأيام والليالي مخلوقة لله عز وجل، والأيام والليالي ليس لها دخل في نزول المصائب والنوازل والحوادث، ولكن العرب كانت تتشاءم من يوم تقع فيه نازلة أو مصيبة، فيطلقون ألسنتهم بسب الدهر ولعنه، فيقولون: يا خيبة الدهر ونحو هذا من ألفاظ سب الدهر، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر).
أي: فإن الله هو الذي خلق الدهر.
أي: لا تسبوا فاعل النوازل؛ لأن الليل والنهار ليسا بفاعلين للنوازل، وإنما فاعل النوازل وخالقها هو رب الليل والنهار وهو رب الدهر، فإذا سببتم الدهر ولعنتموه فكأنكم تسبون خالق النوازل وخالق الدهر وخالق الحوادث وخالق الليل والنهار، وهذا هو الذي نهى عنه عليه الصلاة والسلام، فإنكم إذا سببتم فاعلها وقع السب على الله تعالى؛ لأنه هو فاعلها ومنزلها، وأما الدهر الذي هو الزمان فلا فعل له، بل هو مخلوق من جملة خلق الله تعالى.
والمعنى: فإن الله هو الذي فعل النوازل وأوجدها وخلقها وأحدثها؛ وهي مما يقع في الكون، والله هو الخالق لجميع الكائنات والنوازل والحوادث.
وهذا الكلام قاله الإمام المنذري ووافقه الشيخ الألباني كذلك في الصحيحة.