الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه.
وبعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
في الدرس الماضي من كتاب الأيمان في هذا الكتاب، ذكر قول النبي عليه الصلاة والسلام: (إن الله عز وجل ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم.
قال عمر رضي الله عنه: فوالله ما حلفت بها منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها ذاكراً ولا آثراً) أي: لا عن نفسي، ولا نقلاً عن غيري.
وفي رواية: (ألا إن الله عز وجل ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت)، وفي رواية: (من كان حالفاً فلا يحلف إلا بالله).
وكانت قريش تحلف بآبائها؛ فقال: (لا تحلفوا بآبائكم).
وفي رواية أبي هريرة قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من حلف منكم فقال في حلفه: باللات؛ فليقل: لا إله إلا الله)، وفي رواية: (من حلف منكم باللات والعزى فليقل: لا إله إلا الله، ومن قال لصاحبه: تعال أقامرك فليتصدق)، وفي رواية: (فليتصدق بشيء)، وهذا لا يلزم منه أن يتصدق بنفس الذي قامر عليه، وإنما يجزئه أن يتصدق بأي شيء، حتى ولو كان قليلاً.
وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا تحلفوا بالطواغي -جمع طاغية- ولا بآبائكم).
يقول الإمام النووي معلقاً على هذه الروايات: (الحكمة في النهي عن الحلف بغير الله تعالى: أن الحلف يقتضي تعظيم المحلوف به، وحقيقة العظمة مختصة بالله تعالى، فلا يضاهى به غيره)، أي: فلا يعظم غيره باليمين.
ثم قال: (وقد جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: لأن أحلف بالله مائة مرة فآثم خير من أن أحلف بغيره فأبر).