أدلة النذر من الكتاب والسنة والإجماع: فأما الأدلة من الكتاب: فقول الله تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً} [الإنسان:7].
فإنه تعالى لما تكلم عن أهل الإيمان مدحهم بأنهم يوفون بالنذر.
وقال تعالى: {ثُمَّ لِيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج:29].
وقال تعالى: {وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ} [البقرة:270].
إلى غيرها من الآيات التي تبين أن أدلة الكتاب تشهد بوجوب الوفاء بالنذر.
وأما الأدلة من السنة فكثيرة جداً، وأحاديث النذر منها ما هو متفق عليه بين الشيخين، ومنها ما هو من انفرادات مسلم، ومنها ما هو من انفرادات البخاري كذلك، وهناك عند أصحاب السنن والمسانيد ما ليس في الصحيحين، وكل هذه الأحاديث تشهد بمشروعية النذر.
وقد انعقد إجماع أهل العلم على أن النذر مشروع.
واختلفوا هل هو واجب أو مستحب أو مباح أو مكروه؟ والراجح من أقوال أهل العلم أنه واجب في جانب العمل والفعل والأداء، وهذا الحكم حكم عام؛ لأن النذر أقسام، ولكل قسم حكم يخصه، ولكن جمهور أهل العلم على أن النذر من جهة الشرع مكروه، ومن جهة العمل واجب إذا كان مطلقاً أو مشروطاً وتحقق الشرط.
وأما من جهة التكليف الشرعي والحكم الفقهي للنذر فإنه مكروه؛ لأنه لا يغير من القدر شيئاً، وإنما يستخرج به من البخيل، يعني: أنه معاملة لله عز وجل بالحد الأدنى، فكأنك تقول: اعمل لي حتى أعمل لك، ومفهوم المخالفة: إذا لم تفعل لي فلن أفعل لك، مثل قولك: إذا نجحتني فسأذبح لك خروفاً، وإذا لم تنجحني فلن أذبح، وهذا بلا شك معاملة لله عز وجل بالحد الأدنى من الطاعة والعبادة، وهذا الخروف الذي هو محل النذر أو شرط النذر لا يغير في المقدور ولا في القدر فيما يتعلق بنجاح هذا أو رسوبه شيئاً؛ لأن هذا النجاح أو الرسوب قد كتب في اللوح المحفوظ، فالنذر لا يغير شيئاً؛ ولذلك يفضل أن يتقرب العبد إلى مولاه وسيده بما استطاع من طاعة مالية أو زمانية أو ما يمكن أن يتقرب به بغير شرط؛ لأن هذا الشرط لا يغير شيئاً في المكتوب، وما دام أنه لا يغير شيئاً في المكتوب فلا تشرط على ربك.