وجوب طاعة الأمير وعدم مخالفته

في هذا الحديث: وجوب سماع أمر الأمير وعدم مخالفته، فإذا كان الشخص قد تأمر على سرية أو كتيبة أو جيش فلا شك أنه ما تأمر من فراغ، وإنما تأمّر لأنه أعلم الناس بخطط الحرب، وأعلم الناس بما ينفع قومه ويضر بهم، والخلاف والتنازع في الرأي يؤدي إلى الفشل: {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال:46] أي: تضعف قوتكم، فحينئذ يجب على كل من كان تحت راية أمير أن يسمع له وأن يطيع ما دام السمع والطاعة في طاعة الله عز وجل؛ لأنه لا طاعة إلا في المعروف، ولا طاعة في المعصية؛ ولذلك تأمر أمير على سرية أرسله النبي عليه الصلاة والسلام فيها، فأجج ناراً وأمرهم أن يقذفوا أنفسهم فيها.

قالوا: منها فررنا، أي: نحن قد فررنا من النار بإيماننا ودخولنا في الإسلام، فكيف تأمرنا بأن ندخل النار؟ فما أطاعوه في ذلك، وكان ظن هذا الصاحب أنه مطاع في كل أمر يأمر به، فلما رجع إلى المدينة أخبر النبي عليه الصلاة والسلام بذلك، وأخبره أصحابه بذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لهؤلاء الجند: (لو أطعتموه ما خرجتم منها أبداً) لو أطعتموه في هذا الأمر -لأنه أمر في معصية الله- ما خرجتم منها أبداً، فالحمد لله أنهم لم يمتثلوا أمره لأنه معصية، ولا يُعذّب بالنار إلا رب النار كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام.

لكن إذا كان أمر الأمير محل اجتهاد كأن يقول: نمشي من هذه الطريق أو من هذه الطريق؟ فاختلف أهل الشورى وأهل الحل والعقد الوجهاء في الجيش أو السرية، فبعضهم يقول: نمشي يمنة والبعض يقول: نمشي يسرة، ولكن الأمير اختار طريق الميمنة، فوجب على الجميع أن يسمعوا له ويطيعوا حتى الذين قالوا: نمشي على الميسرة، فالخلاف يكون في الرأي لا في العمل، كما أنه لا يفسد القلوب على الأمير، وإذا كان الأمر محل اجتهاد فليس اجتهاد الناس أو عامة الناس أو غبراؤهم أولى من اجتهاد الأمير، فاجتهاده يفصل النزاع؛ ولذلك سن النبي عليه الصلاة والسلام الإمارة في السفر فقال: (إذا كنتم ثلاثة في سفر فأمّروا أحدكم) لِم؟ حتى يفصل النزاع حين وجود النزاع.

فإن قيل: نأكل أو لا نأكل؟ البعض يقول: نأكل.

والبعض الآخر يقول: لا نأكل.

فالأمير يقول: نأكل إذا نزلنا في المكان الفلاني، فرأي الأمير يرفع الخلاف ويمحو النزاع.

أو يقال: نمشي من هنا أم من هاهنا؟ نبيت أو لا نبيت؟ نسير أو نقف؟ نستريح أو نستمر؟ وغير ذلك من المسائل التي تعترض المسافرين.

فحينئذ أمر الأمير فيها يفصل النزاع، ولا يحل لمخالف له أن يقول: أنت وشأنك أنا باق هنا، إذا أردت أن تطعم فاطعم أما أنا فلا أطعم وهكذا، لا يحل لأحد أن يخالف أميره في شيء مما جعل الشرع له الإمارة فيه.

وإذا كان الأمير يرى أن الخير للمسلمين في قيام الصلح مع أعدائهم، فلا يحل لأحد أن ينازع الأمير في ذلك؛ لأنه صاحب دين، ويجر المصلحة والنفع للمسلمين، وإذا رأى أن المصلحة للمسلمين هي القتال والجهاد فلا يحل لأحد أن يتخلف عنه إلا لعذر شرعي، وهذا باب عظيم يسمى بعلم السياسة الشرعية، أو بمسائل الإمامة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015