قال: (قوله: (ما عندك يا ثمامة؟!) وكرر ذلك ثلاثة أيام، هذا من تأليف القلوب -فالنبي عليه الصلاة والسلام يؤلّف قلب ثمامة - وهذا فيه ملاطفة لمن يرجى إسلامه من الأشراف الذين يتبعهم على إسلامهم خلق كثير).
كما أرسل النبي عليه الصلاة والسلام إلى هرقل فقال: (من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم) وهذا من باب التأليف.
قد يقول قائل: وهل يجوز أن يكون هذا من باب التوبيخ؟
صلى الله عليه وسلم نعم يجوز أن نوبّخهم، وتعلمون أن هارون الرشيد كتب رسالة وقال: من أمير المؤمنين هارون الرشيد إلى نقفور كلب الروم، الجواب على رسالتك ما ترى لا ما تسمع، وسأرسل إليك جيشاً أوله عندك وآخره عندي؛ لأنه موقف عزّة.
أما موقف النبي صلى الله عليه وسلم فهو موقف تألف يؤلف قلبه، وهو قادر على العزة، والعزة حينما يكون العدو بعيداً عني وأنا أناقشه بلغة التهديد، لكن في هذا الوقت العدو بين يدي فلماذا أهدده؟ فمن الممكن أن أمسكه وأقتله، فلا قيمة للتهديد حينئذ، فهو بين يدي ضعيف لا حيلة له! فأنا في هذه الحالة ألاطفه بالشمائل والمكارم، فطالما يكون الذي آذاك وخانك وغشّك بعيداً عنك، وأنت تقول: سوف أعمل به كذا وكذا، وسوف أنتقم، ولكن إذا أتاك إلى البيت، هل ستقول له: سأنتقم وأعمل بك كذا وكذا وكذا، وسوف أغشك وأخدعك كما خدعتني، أم أنك ستقول: عفا الله عما سلف، ونفتح صفحة جديدة؟ فكذلك النبي صلى الله عليه وسلم فعل معه.