الباب الثامن عشر: (باب الإمداد بالملائكة في غزوة بدر وإباحة الغنائم).
الغنائم مباحة على هذه الأمة حرام على غيرها.
قال: [حدثنا هناد بن السري حدثنا ابن المبارك -وهو عبد الله بن المبارك - عن عكرمة بن عمار حدثني سماك الحنفي -وهو سماك بن الوليد الحنفي - قال: سمعت ابن عباس يقول: حدثني عمر بن الخطاب قال: لما كان يوم بدر].
أراد أن يتكلم فقطعه إسناد آخر، ثم ينضم بداية الحديث وطرفه الأول مع طرفه الثاني.
قال: [(ح) وحدثنا زهير بن حرب -واللفظ له- قال: حدثنا عمر بن يونس الحنفي] وقوله: (واللفظ له) أي: لـ زهير؛ ليدل على أن السياق الآتي إنما هو سياق زهير بن حرب وليس سياق هناد بن السري، وهنا معنا إسنادان لـ مسلم أحدهما من طريق هناد والآخر من طريق زهير، فهذا السياق الذي في هذا الحديث إنما هو سياق زهير بن حرب.
قال: [حدثنا عكرمة بن عمار حدثني أبو زميل -وهو سماك بن الوليد الحنفي - قال: حدثني عبد الله بن عباس قال: حدثني عمر بن الخطاب قال: (لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف)] والحقيقة أنهم كانوا أكثر من ألف، فقد كانوا ألفاً وثلاثمائة تقريباً، والمسلمون كانوا ثلاثمائة فقط أو ثلاثمائة وبضعة عشر، فنظر النبي عليه الصلاة والسلام إلى المشركين وكانوا كثرة في العدد نسبة إلى عدد المسلمين.
قال: [(وهم ألف -أي: تقريباً- وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلاً، فاستقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم القبلة -أي: تحول واستدار ناحية القبلة- ثم مد يديه فجعل يهتف بربه)].
يهتف: يستغيث ويدعو ويصيح ويرفع صوته.
قوله: (استقبل نبي الله القبلة، ثم مد يديه وجعل يهتف بربه) هذا من آداب الدعاء: أن يستقبل القبلة وأن يرفع يديه.
والحافظ السيوطي له كتاب عظيم جداً في بابه اسمه: (فض الوعاء في أحاديث رفع اليدين بالدعاء).
وهذا من الآداب وليس من الأحكام؛ ولذلك العلماء يعتبرون أن في باب المتواتر المعنوي: رفع الأيدي في الدعاء، وأنها فطرة فطر الناس عليها، من أراد أن يدعو حتى وإن كان أجهل الناس ولا علم له بالكتاب ولا بالسنة يرفع يديه، حتى الأم أو الجدة التي لم تطلب علماً أول ما تريد أن تدعو ترفع يديها، فهذه فطرة وليست كما قيل: السماء قبلة الدعاء.
فهذا كلام غير صحيح.
نعم.
الله تعالى في السماء، لكن بعض أهل العلم نسب كلام آحاد الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وليست هذه النسبة بصحيحة.
قال: [(فاستقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم القبلة ثم مد يديه فجعل يهتف بربه -جعل يهتف أي: ينادي ويصيح- ويقول: اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آت ما وعدتني -أي: آتني ما وعدتني- اللهم إن تهلك هذه العصابة -أي: هذه الجماعة من الناس ومن الجنود والصحابة- اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تُعبد في الأرض، فما زال يهتف بربه ماداً يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه، ثم التزمه من ورائه وقال: يا نبي الله كذاك مناشدتك ربك -وفي رواية: كفاك مناشدتك ربك- فإنه سينجز لك ما وعدك؛ فأنزل الله عز وجل: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأنفال:9]-أي: متتابعين- فأمده الله بالملائكة.
قال أبو زميل - سماك الحنفي - فحدثني ابن عباس قال: بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتد -أي: يعدو ويسرع المشي- في أثر رجل من المشركين أمامه -أي: خلف رجل من المشركين- إذ سمع ضربة بالسوط فوقه -أي: فوق العدو- وصوت الفارس يقول: أقدم حيزوم، فنظر الرجل -أي: المسلم- إلى المشرك أمامه فخر مستلقياً، فنظر إليه فإذا هو قد خطم أنفه -أي: جذع أو شُق أنفه- وشق وجهه كضربة السوط، فاخضر ذلك أجمع، فجاء الأنصاري فحدّث بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: صدقت.
ذلك من مدد السماء الثالثة.
فقتلوا يومئذ سبعين وأسروا سبعين.
قال أبو زميل: قال ابن عباس: فلما أسروا الأسارى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لـ أبي بكر وعمر: ما ترون في هؤلاء الأسارى؟ فقال أبو بكر: يا نبي الله! هم بنو العم والعشيرة، أرى أن تأخذ منهم فدية، فتكون لنا قوة على الكفار، فعسى الله أن يهديهم للإسلام)].
والنبي صلى الله عليه وسلم استشار أبا بكر وعمر فحسب، وهذ