قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا ابن أبي عمر -وهو محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني نزيل مكة- قال: حدثنا سفيان -وهو ابن عيينة - عن أبي الزناد عن الأعرج].
وأبو الزناد هو عبد الله بن ذكوان المدني، والأعرج: هو عبد الرحمن بن هرمز المدني كذلك.
[عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (احتجت النار والجنة)].
أي: صار بين النار والجنة خصومة أو نزاع أو محاجة.
[(فقالت هذه-أي النار-: يدخلني الجبارون والمتكبرون)].
فمن أوصاف أهل النار أنهم جبارون: {كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} [هود:59]، والمتكبرون: هم الذين يغمطون الناس ويردون الحقوق.
أي: يجحدونها ولا يقرون بها.
[(وقالت هذه -أي الجنة- يدخلني الضعفاء والمساكين.
فقال الله عز وجل لهذه -أي: للنار-: أنت عذابي أعذب بك من أشاء، وربما قال: أصيب بك من أشاء، وقال لهذه -أي: للجنة-: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء، ولكل واحدة منكما ملؤها)].
لأن الله تعالى أخذ على نفسه عهداً أن يملأ الجنة، وأن يملأ النار، أعاذنا ألله وإياكم من النار! قال: [وحدثنا محمد بن رافع حدثنا شبابة -وهو ابن سوار المدائني - حدثني ورقاء -وهو المدائني كذلك- عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تحاجت النار والجنة، فقالت النار: أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين.
وقالت الجنة: فمالي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم وعجزهم؟ فقال الله للجنة: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي.
وقال للنار: أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي، ولكل واحدة منكما ملؤها، فأما النار فلا تمتلئ، فيضع قدمه عليها فتقول: قط قط)].
يعني: كفى، وحسبي.
[(فهنالك تمتلئ ويزوى بعضها إلى بعض)].
يزوى.
يعني: ينزوي وينضم ويجتمع بعضها على بعض إذا وضع الجبار تبارك وتعالى قدمه فيها.
قال: [حدثنا عبد الله بن عون الهلالي حدثنا أبو سفيان -وهو محمد بن حميد - عن معمر بن راشد البصري عن أيوب بن أبي تميمة السختياني البصري عن ابن سيرين].
وابن سيرين عند الإطلاق هو محمد، وإلا فهناك أنس بن سيرين وهو أخو محمد، والراوي إذا حدث عنه يقول: حدثنا أنس بن سيرين.
[عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (احتجت الجنة والنار).
واقتص الحديث بمعنى حديث أبي الزناد.
حدثنا محمد بن رافع حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن همام بن منبِه -أو منبه- قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم].
وهذا الأحاديث التي يرويها همام عن أبي هريرة تسمى عند المحدثين: بصحيفة همام عن أبي هريرة أوردها الإمام أحمد في المجلد الثاني من مسنده، وهي تقريباً حوالي مائة واثنين وأربعين حديثاً.
يقول فيها همام: هذا ما حدثنا أبو هريرة عن رسول الله.
[فذكر أحاديث منها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تحاجت الجنة والنار فقالت النار: أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين.
وقالت الجنة: فما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم وغرتهم -وفي رواية وغَرسهم أو غرسهم- وقال الله للجنة: إنما أنت رحمتي أرحم بك من أشاء، وقال للنار: إنما أنت عذابي، أعذب بك من أشاء من عبادي، ولكل واحدة منكما ملؤها، فأما النار فلا تمتلئ حتى يضع الله تبارك وتعالى رجله)].
وفي الرواية الأولى: (حتى يضع الجبار قدمه).
[(فتقول: قط، قط، فهنالك تمتلئ، ويزوى بعضها إلى بعض، ولا يظلم الله من خلقه أحداً، وأما الجنة فإن الله ينشئ لها خلقاًَ)].
إذاً: القضية التي أريد أن أؤكد عليها وهي أنه إذا أدخل أهل النار النار وأهل الجنة الجنة يبقى في الجنة مكان، ويبقى في النار مكان، ولذلك في الحديث: (فإذا دخل أهل النار النار، قالت النار: هل من مزيد).
الله تعالى يسألها: {هَلِ امْتَلأْتِ} [ق:30]، وتقول: {هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} [ق:30].
أو ملك عن الله تعالى يسألها، {هَلِ امْتَلأْتِ} [ق:30]، وهي دائماً تقول: {