قال: عن أبي ريحانة قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة فسمعته يقول: (حرمت النار على عين بكت من خشية الله، وحرمت النار على عين سهرت في سبيل الله).
فهاتان عينان حرمت عليهما النار، أو حرمتا على النار.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (عينان لن تمسهما النار: عين بكت في جوف ليل من خشية الله تعالى) أي: وهو منفرد بربه، وهذا موطن الإخلاص لله عز وجل.
قال: (وعين باتت تحرس سرية في سبيل الله).
فلو أن الجنود يعلمون قيمة هذا الكلام لما هربوا من الخدمة، ولتسارعوا جميعاً إلى الحراسة في سبيل الله عز وجل، وما عليهم إلا أن يصححوا نيتهم، وأن يعلموا أن هذا عمل مشروع في سبيل الله.
وعن أنس كذلك: (عينان لا تمسهما النار: عين باتت تكلأ المسلمين -أي: ترعى وتحرس المسلمين في سبيل الله- وعين بكت في خلاء من خشية الله) أي: في خلوة.
وعن سهل بن الحنظلية: (أنهم ساروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فأطنبوا السير -أي: تابعوا السير- حتى كان عشية، فحضرت الصلاة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءه رجل فارس فقال: يا رسول الله! إني انطلقت بين أيديكم حتى طلعت جبل كذا وكذا، فإذا أنا بهوازن على بكرة أبيهم) أي: بقبيلة هوازن قد جاءوا جميعاً.
قال: (بظعنهم -أي: نسائهم- ونعمهم -أي: إبلهم ومواشيهم- وشائهم -جمع شاء- اجتمعوا في وادي حنين، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: تلك غنيمة للمسلمين غداً إن شاء الله).
أتت هوازن في غزوة حنين، واجتمعوا بنسائهم وإبلهم ومواشيهم وأموالهم في الوادي، ورآهم ذلك الرجل، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (تلك غنيمة المسلمين غداً إن شاء الله).
وهذا تبشير بالنصر قبل وقوعه.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من يحرسنا الليلة؟ فقال أنس بن أبي مرثد الغنوي: أنا يا رسول الله! فقال النبي عليه الصلاة والسلام: اركب -أي: اذهب فاحرس- فركب فرساً له، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: استقبل هذا الشعب) أي: اذهب فاعل هذا الشعب لتحرس من فوق.
قال: (ولا نُغرن من قِبلك الليلة) أي: لا تدع فرصة للعدو أن ينال منا ويصيبنا وأنت نائم، وكأنه يحضه على أن يستيقظ طيلة الليل.
قال: (فلما أصبحت) القائل هنا سهل بن الحنظلية راوي الحديث.
قال: (فلما أصبحت خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مصلاه فركع ركعتين ثم قال: هل حسستم فارسكم؟) أي: هل أحسستم بفارسكم الذي يحرسكم؟ قال: (فقال رجل: يا رسول الله! ما حسسنا، فثوب بالصلاة -أي: فأقيم لها- فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي يلتفت إلى الشعب حتى قضى صلاته وسلم.
قال: أبشروا.
فقد جاء فارسكم، فجعلنا ننظر إلى خلال الشجر في الشعب فإذا هو قد جاء حتى وقف على رسول الله -أي: عند رسول الله صلى الله عليه وسلم- فسلم ثم قال: إني انطلقت حتى كنت في أعلى هذا الشعب يا رسول الله! كما أمرتني، فلما أصبحنا اطلعت الشعبتين -أي: رأيت الشعبتين كلتيهما- فنظرت فلم أر أحداً) أي: فلما ثوب بالصلاة وقد بدأ نور الفجر رأيت الناس ورأيت أنه لا يمكن أن ينال العدو منا نيلاً.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنزلت الليلة؟ قال: لا يا رسول الله! ما نزلت إلا مصلياً أو قاضي حاجة) أي: ما تركت مكاني إلا لصلاة الليل وقضاء الحاجة.
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (قد أوجبت) أي: قد وجبت لك الجنة.
وهذا بسبب الحراسة في سبيل الله عز وجل.
قال: (فلا عليك أن لا تعمل بعد هذا) أي: لا يضرك ما عملت بعد ذلك من معصية، فإن العمل الذي عملته الآن -وهو حراسة المسلمين في سبيل الله- كفارة لذنوبك الماضية والمستقبلة.
وهذا فضل عظيم جداً للحراسة في سبيل الله عز وجل.